بيان المؤتمر الناصري العام 28 سبتمبر - 7 أكتوبر: أين نحن الآن وماذا يمكننا بعد؟
(28 سبتمبر 1970 - 2024) - (7 أكتوبر 2023- 2024)
تأتي
ذكرى رحيل عبد الناصر بعد ما يزيد عن نصف القرن بأربع سنوات (أربع وخمسون عامًا مضت)،
ومازال الوطن على حاله من الضياع، والأمة على حالها من الهوان، لولا أن المقاومة
المستمرة منذ عام كامل إلى الآن تحاول وحدها بكل ما تُقدِّم من تضحيات وانتصارات
أن تبعث فينا الحياة والأمل، وتقدم النموذج في إمكانية الصمود والاستمرار
والانتصار، وتمنحنا ربما الفرصة الأخيرة للاستجابة لتحدّي وجود أمتنا وحريتها
واستعادة مكانتها وحضارتها.
هل كان جمال عبد الناصر في ذاته، و في مرحلته،
حال وجوده أو بعد غيابه، وبكل سبقه وتميزه وتفرده ونقائه وطهارته وإخلاصة
وزعامته فهل كان وحده هو المشروع؟! فلماذا
إذن منذ أن ودعته جماهير أمتنا العربية في هذا المشهد الفريد المهيب، أخذ هذا
المشروع واستمر في التراجع شيئًا فشيئًا، ولحقت به الهزائم معركة تلو الأخرى، حيث يبدو الآن عند الكثيرين وكأنه لم يعد سوى
تاريخ نتغنى به ونتحسر عليه! ونخوض المعارك فقط دفاعًا عن أمجاده التى كانت، ومآثره
ومعاركه التى لا يمكن أن ننساها!
بينما
أعداء هذا المشروع أمام أعيننا فرادى ومجتمعين مازالوا يحاربونه في كل لحظة لا
يفترون، أملاً في الإجهاز عليه وعلى هذه الأمة إلى غير ما رجعة، وإنفاذًا لمشروعهم
الذى لا يمكن دوام انتصاره، إلا بضمان ألّا يعود ذلك المشروع الذي جسده جمال عبد
الناصر، مجددًا في أي حين .
مبكرًا
جدًا كانت قد بدأت الردة، وكان انقلاب مايو 1971، واستدعاء واستحداث وتمتين بنية
وبناء وأدوات كل أعداء المشروع في الداخل، ثم ربطهم بكل أعداء المشروع من الخارج
بالارتماء ثم الانبطاح تحت الحضن الأمريكي، ثم العُهر والسِفاح مع العدو الصهيونى،
وما واكب ذلك كله من مخططات تفكيك وتغيير البُنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
عبر سياسات الانفتاح ثم البيع فالخصخصة وصولاً لبيع الأصول، والمنابر ثم الأحزاب
وبالترهيب والترغيب في ظل الديمقراطية الديكورية والتسلية، وصولاً للحوار الوطنى
الأوحد تحت حماية وتهديد كتائب الترامادول على أهبة الاستعداد!
وإن
يبدو مشهدًا عبثيًا، فإنما هو كذلك مخطط مقصود مدروس، كل في وقته، كل له دوره
ومكافأته وحسابه، وهكذا جاءت النتائج وكان الحصاد، فقدت جماهير أمتنا كل مكتسبات
ثورة عبد الناصر في كل المجالات وعلى كل المستويات، اللهم إلا ما يمكن أن يكون قد
تبقَّى من ضمير ووطنية وعروبة ودين وإنسانية، دخلت إسرائيل الصهيونية بيننا وبيتنا
من أوسع الأبواب واستوطنت وتوسعت وصرنا نحن أصدقائها العرب! ثم سقطت بغداد، وضعفت واستكانت وتقزمت ولم تعد
هنالك عراق واحده بل ثلاث وربما المزيد، ثم كان هناك أكثر من سودان وفي طريقها
لمزيد من التفتيت، ثم كان ذلك الربيع الذى مازال مُتنازَع عليه وحوله عربيًا كان
أم عبريًا، سقطت الأنظمة ولكن معها سقطت الدول وتقسمت وربما لن تعود، هانت الأمة
وتقزمت، وليس هنا عبد الناصر ولم تعد هناك بقايا أو ملامح لهذا المشروع، وليست
هناك علامات أنه مازال يُوجَد من يحمله أو يمثله ! اللهم إلا في بعض الصدور وربما
بعض الأقلام وقليل من الحناجر! ربما فقط كثير من الذكريات والأمنيات والشعارات
وصفحات على وسائل التواصل!
في
هذه الأثناء وتحت غيوم وقتامة كل هذه الأجواء، ورغما عن كل الشدائد وأقسى الظروف
والمعاندات ومختلف الصعوبات والمستحيلات ومن قلب الحصار والموات، جاء الطوفان
ومازال مستمرًا ومنتصرًا، وبدعم ومساندة الشرفاء من لبنان واليمن والعراق، توسعت
المقاومة وازدادت وأضاءت وتوهجت، وعلى مدار عام كامل مازال يتقدمنا أكرم الشهداء
في أعظم النماذج للتضحية والفداء، والأرض تفترشها أطهر الجثامين وتغطيها أذكى
الدماء، وتتناثر فوق رؤوسنا أمام أعيننا الأشلاء والأكباد والأحشاء، فكل ما هنالك
وكل ما حولنا يصرخ فينا، ينادينا بكل ما
فينا وبكل ما أوتينا: أين أنتم ؟!
إن
المقاومة لا يمكنها أبدًا وحدها أن تستعيد الأقصى وتحرر فلسطين، كما لا يمكنها
أبدًا وحدها أن تنجز الوحدة وتحقق التقدم والنهوض، إن المقاومة أنجزت ما عليها
وانتصرت، انتصرت منذ الطلقة الأولى فأذابت الجليد كله، وأضاءت الطريق، وأعادت لنا
الفرصة من جديد، وأعلنت بدء المسير لمن يريد، وأنه ليس من حجج تبرر العجز، وأنه
يمكن تجاوز الجهل والتخلف والقعود.
لماذا
يسود الصمت هنا ويعم الانتظار في بلادنا؟!
لربما
يكون طوفان الأقصى من حيث بدأ وكيف استمر وما قدم وما مثَّل، فلعله الفرصة الأخيرة
لأمتنا ولمشروعنا، فإما أن نلحق به وإما أن يعصف بنا . إنما هو وبكل ما سبقه
ويحيطه وما يمكن أن يتلوه، من أحداث وتفاعلات دولية وإقليمية، وفي ظل غياب وموات
كامل لوطننا وعجز وخيانة وتبعية
أنظمتنا، وابتعادنا عن الخريطة والتأثير،
فإنما هو استدعاء جديد وأكيد وربما أخير لمشروعنا وما يمثل ولتيارنا وما يريد.
أيها
الإخوة الناصريون في كل مكان، إن الملايين التى خرجت في وداع جمال عبد الناصر في
مشهد الرحيل الأسطوري العظيم، حيث كان الهدير ( الوداع يا جمال يا حبيب الملايين )
مازالت تنتظر طليعتها العربية القومية المُوحدَة كي تبر بقسمها بالدم وبالدموع
والعقل والعِلم والإرادة والمقاومة المستمرة (بالروح بالدم هنكمل المشوار).
أيها
الإخوة إن التاريخ لا يمكنه أن يتوقف هناك، كما أنه لا يمكنه أن يظل منتظرًا
ساكنًا إلى أن نعيد صياغته من جديد، إنه يمضى فقط مع المنتصرين أيًا كانوا وأينما
حلوا، كما أن الناصرية لم تكن أبدًا حركة سلفية ماضوية جامدة ساكنة، وإنما مازالت
رؤيتها حاضرة ومنهاجها سليمًا صادقًا صالحًا، ومازالت تمثل ضمير الأمة ومرجعية
الجماهير، ومازالت كل الأحداث والتحديات من حولنا تمثل الاستدعاء الأكيد والذى
لربما يكون هو الأخير لحضورها ورجالها وكل أجيالها للمواجهة والتصدِّي والاستجابة
للتحدّ] .
أيها الإخوة إن كل المحاولات المخلصة والتى بدأت
منذ رحيل القائد وحتى الأن لم تؤت ثمارها بعد، ولعل التُربة الآن بحاجة إلى
التكاتف شاملاً كاملاً مُخلِصًا لحرث أكيد وغرس جديد يستوعب كل الدروس والعبر
وتغير المناخات والظروف، فيتطهر من
الشوائب والأمراض والآفات بكل شجاعة نقد الذات، فينبت نبتًا جماعيًا جديدًا
موحدًا، يتوخى المشروع، يتولى الحوار
والعمل حول صياغته شاملاً وتقديمه كاملاً والتصدِّي لبناء أداته الثورية
القومية المقاتلة المقاومة الواحدة ويرتفع
بالبناء طولاً وعرضًا يشمل كل الساحات ويبني في كل المجالات ويُمتِّن في البناء
وعينه في كل لحظة على مواسم الحصاد كي لا ندعها تفلت مجددًا أبدًا، إنما نحن جنود
وطلائع مشروع وحدوي تنموي حضاري عربي شامل
للتحرر والنهوض عايشته جماهير أمتنا وحاولته على مر العصور ثم خاضت عظيم
المعارك من أجله مع جمال عبد الناصر في عزة ومجد وافتخار، ولسوف تبقى هذه الجماهير
على قسمها إلى أن تفرز وتبدع وتلتقي
مُجدَّدًا طليعتها.
أيها
الإخوة: إن النصر عمل.. والعمل حركة.. والحركة فكر.. والفكر فهم وإيمان.. إن كل
شيء يبدأ بالإنسان .
جمال عبد الناصر
عاش
نضال الشعب العربي.. وعاشت مقاومته الباسلة..
المجد
والخلود لشهداء الثورة العربية..
الأمانة
العامة
المؤتمر
الناصري العام
ليست هناك تعليقات
نرحب دائما بتعليقاتكم