المقاومة الإعلامية والاعلام المضاد
بقلم/ عماد العيسى
لبنان . الشبكة الدولية من اجل فلسطين
نعيش اليوم ظروف دقيقة جدا تحكمها عدة تحولات على مستوى
التوازنات السياسية في المنطقة من جهة وتحولات ثقافية من جهة أخرى,وبما أن الاعلام
يلعب الدور الابرز في هذه التحولات وكان الاداة الأكثر فعالية وناجزية في رسم
خارطة طريق تتماهى مع الاستعمار الجديد,بفضل دعم البترودولار وما تبناه من محاولات
حثيثة على كافة المستويات في اغراق المنطقة بمستنقعات عدة من خلال الترويج
الاعلامي للمشاريع الاستعمارية بطريقة تناسب ومقومات الحداثة العصرية.حيث يعمل على تضليل* عقول البشر"أداة القهر"
فهو يمثل أحدى الأدوات التي تسعى النخبة من خلالها إلى تطويع الجماهير لأهدافها
الخاصة، عن طريق استخدام الأساطير التي تفسر وتبرر الشروط السائدة للوجود. فتضفي
عليها أحيانا طابعا خلابا، يضمن فيها المضللون التأييد الشعبي لنظام اجتماعي لا
يخدم في المدى البعيد المصالح الحقيقية للأغلبية. حيث يؤدي هذا التضليل
الإعلامي للجماهير دوره بنجاح تنتفي
الحاجة إلى اتخاذ تدابير اجتماعية بديلة.
نلاحظ
بأن مديرو أجهزه الإعلام يوضع أسس عملية تداول " الصور والمعلومات"
ويشرفون على معالجتها وتنقيحها و إحكام السيطرة عليها، فهي التي تحدد المعتقدات
والمواقف وتحدد السلوك في النهاية. وعندما يعمد مديرو أجهزه الإعلام إلى طرح أفكار
وتوجهات لا تتطابق مع حقائق الوجود الاجتماعي فإنهم يتحولون إلى سائسي عقول. ذلك
أن الأفكار التي تنحو عن عمد إلى استحداث معنى زائف وإلى إنتاج وعي لا يستطيع أن
يستوعب بإرادته الشروط
*المقصود بالتضليل، التأثير في شخص أو هيئة أو جماعة
بطريقة تنطوي على التمويه أو التلاعب.
الفعلية للحياة القائمة أو أن يرفضها، سواء على المستوى
الشخصي أو الاجتماعي فهي ليست في الواقع سوى أفكار مموهة أو مضللة.
أن وسائل التضليل عديدة ومتنوعة، فمن الواضح أن السيطرة
على أجهزة المعلومات والصور على كل المستويات تمثل وسيلة أساسية. و يتم ذلك من
خلال أعمال قاعدة من قواعد اقتصاد السوق.
فامتلاك وسائل الأعلام و السيطرة عليها، شأنه شأن أشكال
الملكية الأخرى، متاح لمن يملكون رأس المال. والنتيجة الحتمية لذلك هي أن تصبح
محطات الإذاعة وشبكات التلفزيون والصحف والمجلات، وصناعة السينما ودور النشر
مملوكة جميعا لمجموعة من المؤسسات المشتركة والتكتلات الإعلامية. وهكذا يصبح
الجهاز الإعلامي جاهزا تماما للاضطلاع بدور فعال في عملية التضليل.ولقد ساعد
التقدم في التكنولوجيا ووسائل الاتصال على ظهور أشكال أكثر تعقيدا من ا لتضليل
الإعلامي.
في الوقت التي تدعي أجهزة الإعلام بالحيادية، نجدها ما
هي إلا أسطورة وأحد أساليب التضليل الإعلامي، حيث يؤدي دوره بفعالية أكبر من حيث
إخفاءه شواهد وجوده، أي أن التضليل يكون ناجحا عندما يشعر المضللون بأن الأشياء هي
على ما هي عليه من الوجهة الطبيعية والحتمية. ببساطة شديدة نقول أن التضليل
الإعلامي يقتضي واقعا زائفا هو الإنكار المستمر لوجوده أصلا.
إضافة لدور الإعلام في اللعب على التمايزات الموجودة في
المنطقة وبدل أن يروج لثقافة التعايش والتعدد رسخ الفرقة والخندقة لحساب المشروع
الكبير في تقسيم المنطقة فانقسم الإعلام إلى:
1.إعلام ينشر الفساد الأخلاقي واعتباره من مجمل النظام
الاجتماعي.
2.إعلام ينشر الفساد القيمي.
3.إعلام يروج للاحتلال تحت مسمى الاستعمار أي تعمير
البلاد ونشر الديمقراطيات فيها والتطبيع مع الأعداء.
4.إعلام يزور الحقائق ويبث الفتن المذهبية والطائفية.
5.إعلام ديني تنقصه الخبرات والأهداف والوسائل والخطاب الجاذب.
6.إعلام مقاوم ولكنه أيضا جنيني الخبرة في الحرفية الإعلامية.
7.إعلام موضوعي وهو نادر.
واليوم في ظل الثورات وما لعبه الاعلام بشكل كبير من دعم
بعضها وإخفاء معالم بعضها بسبب لغة المصالح التي تعزز من استمرار أنظمة مستبدة
تحكي المصالح الصهيو أمركية وجدنا لزاما علينا أن نعمد إلى ثورة إعلامية هدفها فضح
الاعلام الفاسد وهدمه ولكن مع تقديم إعلام بديل قادر على أن يقدم بديلا ناجحا
فاعلا وجامعا لكل الأطياف وهو الإعلام المقاوم. ففي سوق الأفكار يصر المضللون على
إنكار وجود أي أيدلوجية تعمل بوصفها إلية سيطرة. فهناك حسب زعمهم سلسلة من المعارف
القائمة على الحقائق أو معلومات، ينتقي منها العالم المحايد والفرد العادي، ذلك
القسط من المعلومات التي يتلاءم أكثر مع نموذج أو نمط الحقيقة التي يحاول تكوينه. ولكن
من المؤكد كل وسائل الإعلام لها أيدلوجيات وأجندات تختلف حسب المصالح والانتماءات
واحتياجات السوق.
ولكن علينا بداية أن نعرف كلمة المقاوم أو المقاومة:
حركة
المقاومة هي جميع الأعمال الاحتجاجية التي تقوم
بها مجموعات ترى نفسها تحت وطأة وضع لا ترضى عنه. فالشعوب تقاوم من يحتل أراضيها.
وتختلف الأساليب من العصيان المدني إلى استخدام العنف والعنف المسلح وما بينهما من درجات.
فتارة هو مقاوم للغزو الثقافي وتارة هو مقاوم للتطبيع مع
العدو وتارة هو مقاوم ومناهض للإعلام الفاسد وهكذا.
فكلمة الاعلام المقاوم يجب أن لا تأخذ طابعا ايديولوجيا
معينا بل يجب أن تشمل المقاومة على كافة الاصعدة كي تقدم بديلها الناجح في هدم
الاعلام الفاسد وتقديم إعلام بديل قادر على أن يقدم مشروعا للأمة يدعم من حراكها
ضد الظلم والاحتلال وينهض بوعيها لاقامة دولة مدنية وفق أسس تتناسب وثوابت هذه
الامة.
مع ملاحظة مهمة في هذا المشروع وهو النأي به عن الخطابات
الشعاراتية والشعوبية والتحشيد الجماهيري والتضليل الإعلامي وما يتطلبه أصحاب رؤوس
المال, والتركيز في الخطاب على البناء المعرفي والفكري لذهنية الجمهور لأن
الخطابات الشعاراتية فقط لا تستطيع أن تبني إنسانا قادرا على مواجهة كل هذا الزخم
الهائل من مكونات ووسائل الاستعمار الثقافي الجديد الذي استطاع أن يخترق العقل
العربي من ذاتياته. فالخطاب بمكوناته وأهم مكوناته أن يحوي الفكرة من كل الجهات,
يستخدم أسلوب التحشيد الجماهيري العاطفي والشعاراتي ولكن بالاعتماد على الفكر
والتأصيل للفكرة لبنائها في ذهنية الجماهير, فالخطابات العاطفية هي خطابات لحظية
الاثر يزول أثرها بزوال المؤثر.
بينما الخطابات المبنية معرفيا وفكريا هي خطابات راسخة
تبني العقل الذي هو محرك الانسان الاول نحو كل شيء.
فأي فكرة إعلامية مناهضة لما هو موجود من فساد إعلامي
يجب أن تبنى على أسس فكرية ومعرفية قبل أن تأخذ أبعادها السياسية,حتى تستطيع أن
تفرض وجودها ليس فقط في قلب المشاهد بل في عقله ووجدانه.
طبعا ولا يمكننا فقط أن نعتمد على اللغة المعرفية دون أن
نستخدم وسائل حسية تجذب المشاهد نحو هذا الخط الإعلامي لأن الأصالة كي تفرض نفسها
لابد أن توضع في قالب عصري يستخدم أدوات الحداثة قد ينهض بنفسه ويفرض وجوده على
ساحة عقل المشاهد العربي.
Ø لذلك أقترح لهذا المشروع التالي:
1.وضع آلية للدعم المالي تتميز ببعدها عن أي مرجعية
فكرية أو سياسية أو حزبية أو إيديولوجية, ليكون دعما من جهات مستقلة تحمل نفس
الهدف والهم حتى لا يتم فرض شروط أو سياسات أو أفكار وتوجيه القناة لها.
2.عقد مؤتمر تحضيري لبلورة الرؤية الأولية للقناة.
3.تشكيل لجنة متابعة ورقابة تهتم بالشأن المالي والإداري
والفني.
4.استشارة أكبر عدد من المثقفين والمفكرين والاعلامين
حول المشروع.
هذه رؤية أولية أتمنى أن تكون قدمت ما هو مفيد
عماد العيسى . المدير العام للشبكة الدولية من اجل
فلسطين
ليست هناك تعليقات
نرحب دائما بتعليقاتكم