لجنة الإسناد المجتمعي : مقامرة تكتيكية بمخاطر إستراتيجية
الأستاذ الدكتور أحمد الصاوي
ليست لدي معلومات مؤكدة عن الجهة التي بلورت اقتراح لجنة الإسناد المجتمعي
كإجابة على تحدي اليوم التالي لانتهاء حرب الإبادة البربرية التي يشنها الكيان على
قطاع غزة ولكن المؤكد أن الاقتراح يمثل استجابة من نوع ما للشروط والإملاءات
"الصهيوأمريكية" تحت ضغط الحاجة الماسة لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية
من جهة ولحفظ النزر اليسير مما تبقى من ماء وجه وسمعة النظام الإقليمي العربي وكذا
النظام العالمي من جهة أخرى.
ورغم افتراض حسن النية في اقتراح إنشاء لجنة الإسناد المجتمعي للخروج
بغزة وسكانها وما يرافقه من افتراض القدرة على تطوير الصيغة ومدها بأسباب الحياة فإن
ثمة ما هو أكثر من الشك في أن حسن النية ذاك من الصنف الذي تفرش به طرق الغفلة إلى
جهنم.
فمن ناحية يتجاهل الاقتراح عدة حقائق على الأرض لعل أهمها:
١- أن خطط الكيان المعلنة لا تتوقف عند حدود إعادة
احتلال قطاع غزة وإنما تتجاوز ذلك إلى إخلاء القطاع من معظم سكانه عبر التدمير والترويع
وتدمير سبل الحياة وقد بدأت مرحلة إخلاء شمال القطاع حيث ستكون هناك مستعمرات جديدة
ذات بنية عسكرية ويلي ذلك إنشاء منطقة حاجزة buffer zone تشمل غالبا القطاع الأوسط من غزة تكون تحت سيطرة عسكرية إسرائيلية ثم
منطقة جنوب القطاع (خان يونس-رفح) التي سيتكدس فيها السكان تمهيدا لتنفيذ عدة خيارات
لنقلهم تدريجيا أو تهجيرهم قسريا تبعا لتطور الأوضاع الإقليمية.
٢ -أن الكيان دخل مرحلة استصفاء كامل مساحة فلسطين
التاريخية وأن هناك دراسات نشرت باللغة العبرية وكذا الإنجليزية عن خطط لتهجير سكان
الضفة الغربية أيضا حالما تستقر الأوضاع في غزة على أي نحو وهناك حديث متزايد عن أن
تكون الأردن وطنا بديلا ينقل إليه سكان الضفة الغربية وثمة اقتراحات بأن ينقل لهذا
الوطن البديل سكان قطاع غزة ومن يرغب من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (ضمن ترتيبات
تتعلق بلبنان) مع التوصية بتوسيع مساحة الأردن على حساب أجزاء من شمال غرب المملكة
العربية السعودية(ضمن ترتيبات التطبيع مع الرياض) مع إمكانية الاستغناء عن العرش الهاشمي
وإنشاء دولة للوطن البديل بهوية "إسلامية".
٣- أن المرحلة التي بدأت في ١٩٤٨ بتحويل القضية
إلى قضية لاجئين قد انتهت عمليا بتدمير الأونروا وتجريمها ووقف أنشطتها وتدمير مؤسساتها
وقتل كوادرها بل وتحطيم ما كانت تدعمه من مؤسسات تعليمية أو علاجية وأصبح إنهاء وجود
الاونروا مطلبا وشرطا إسرائيليا مسبقا في أي تفاوض مستقبلي.
٤ - اتصالا بما سبق أنهت تل أبيب كافة نتائج تطبيق
اتفاق غزة أريحا بما في ذلك الاعتراف بالسلطة الفلسطينية على عوارها وعجزها ورداءة
أبي مازن وفي ذلك اتساق منطقي مع رفض الكيان لفكرة إنشاء الدولة الفلسطينية ولو على
شبر واحد من أرض فلسطين التاريخية
٥ - لكل ما سبق فإن الإجابة الصهيونية على تحديات
اليوم التالي ترفض ليس فقط بقاء سلطة أو حتى
أفراد حماس في قطاع غزة بل وترفض أي دور للسلطة الفلسطينية تحت هذا المسمى مثلما
ترفض وجود الاونروا.
ومن وقت مبكر تحدثت تل أبيب عن إدارة محلية من القبائل والعشائر والسكان
تتولى تسيير الأمور فيما تبقى للفلسطينيين من مساحة القطاع وتواصلت بالفعل مع بعض الأطراف
ولكن أجواء الحرب في القطاع لم تسمح بما هو أكثر من ذلك لاسيما مع مطاردة الفصائل للعملاء
على الأرض.
نخلص من ذلك كله أن إنشاء إدارة سكانية ذات خلفية عشائرية هو استجابة
فجة ومباشرة للمطلب الإسرائيلي ولعلنا لا نتجاوز الحقيقة في شيء إذا ما تخوفنا من أن
تكون تلك الإدارة مهما كان مسماها غطاء لعملاء الشاباك ليقوموا بإدارة مرحلة إخلاء
السكان من غزة وهي مرحلة ستشهد استمرارا للعمليات العسكرية لتحقيق أهداف رئيسية منها
تصفية و مطاردة أفراد وأسر المقاتلين في كافة فصائل المقاومة وتسهيل عمليات النقل الطوعي
لسكان غزة.
ولابد من التسجيل هنا أنه من السذاجة بمكان الظن بأن تل أبيب ستتخلى عن
إدارة المعابر الحدودية مع مصر لأي إدارة فلسطينية حتى لو ضمت عملاء الشاباك والموساد
لأن ذلك يتعارض مبدأيا مع مرحلة الاستيلاء الكامل على أرض فلسطين والسعي لتغيير خريطة
الكيان التي رآها ترامب صغيرة جدا وبحاجة لتوسيعها وهي أيضا رغبة أعلن عنها نتنياهو
بخريطة مهما تلاعب في تسميتها فإنها تعكس بجلاء تحقيق الشعار الصهيوني بأن أرض مشروعهم
تمتد من الفرات إلى النيل.
لابد من الإشارة هنا إلى أن من سيبقى من الفلسطينيين بكل من غزة والضفة
يجب أن تتحقق فيهم اشتراطات أمنية إجتماعية ليكونوا عمالة رخيصة وسوقا هامشية للكيان
فيما يمكن تشبيهه بالحدائق الخلفية لاقتصاديات كبيرة مثلما هو الحال في أمريكا وألمانيا.
وإذا كانت مصر تحاول أن تطعم اقتراح لجان الإسناد المجتمعي بعناصر ذات
طابع استراتيجي مثل تعيين هذه اللجان بقرار من السلطة الفلسطينية وباتفاق ضمني مع حماس
أو مد سلطة اللجان لتدير المعابر فإنه بافتراض توصل الفلسطينيين في مفاوضات القاهرة
الجارية الان لاتفاق فإن نتنياهو سيرفض تلك التطعيمات اعتمادا على أمرين أولهما موازين
القوى الإقليمية الراهنة وثانيهما التطابق الكامل بين المستهدفات الإسرائيلية و مستهدفات
الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في الناتو ولاسيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا بل
وإيطاليا أيضا.
لجان الإسناد المجتمعي حتى بالتطعيمات المصرية تمثل خطرا استراتيجيا بحساب
النوايا الإسرائيلية المعلنة لتصفية القضية الفلسطينية بشكل تاريخي ونهائي ولا أعتقد
مطلقا أنه مقترح مصري بل هو غالبا اقتراح أمريكي الأصل تحاول مصر تطعيمه بعناصر تعتقد
أنها تحقق مصلحة فلسطينية مصرية من نوع ما
إذ يصعب تصور أن العقل الاستراتيجي في مصر يمكن أن يصدر مثل هذا المنتج
الرديء
ليست هناك تعليقات
نرحب دائما بتعليقاتكم