متاح الآن

الكاتبة والأديبة حورية عبيدة تكتب للمؤتمر: بها تنفك العقد








حورية عبيدة

 باعتباري كاتبة وصحفية.. وقد أمضيتُ أكثرَ من عقدين خارجَ مصر.. حالفني الحظُّ والتقيتُ؛ بل وأجريتُ حواراتٍ وشاركتُ ندواتٍ مع أصحاب القضية؛ سواءٌ من أبناء جلدتها؛ أو الذين يتخذونها قضيَتهم؛ باعتبارها مربطُ فرسِ قضايا عالمنا العربي والإسلامي؛ بها تنفك العُقد وبها تنعقد.

لن أُحدثَكم عمّا قاله "محمود درويش"؛ فكما قلت آنفًا أن اللغة الثورية والخُطب الرنانة لم يعد هذا زمانُها، لكن ربما "غسان كنفاني" القائل: أن القضيةَ عادلةٌ والمحاميَ فاشلٌ.. بدا ملامسًا أو إرهاصات للطريقة المثلى اللائقة بعصرنا هذا.

ممّن تطورت أفكارهم والتقيتُهم كان "إبراهيم نصرالله"؛ الرّوائيُ الفلسطيني الذي قال لي:

سلاحُنا الفنُ والأدب.. فالبندقيةُ غيرُ المثقفةِ لا تُجدي نفعًا.. وحين بدأ العالم يهتم بالمعاناة الإنسانية بعد أن أصبح قرية واحدة.. تَرجمتُ روايتي (براري الحِمى) بعد صدورِها بـ 26 سنة.. كذلك (الملهاةُ الفلسطينية) وهي ملحمةٌ تراثيةٌ بحثيةٌ روائيةٌ؛ تتكون من 7 روايات؛ تغطي 250 سنة من تاريخ وطنِه، ركز فيها كذلك على الدورِ الثقافي لمسيحي فلسطين، وكيف أن أول "امرأةٍ" مصوِّرةِ فوتوغرافيا كانت مسيحية، ثم 3 روايات (قناديلُ ملك الجبل) تغطي 85 عامًا من القرن الـ 18 قائلًا: "فلسطين وطنٌ غيرُ مسموحٍ بالخطأ في تاريخِه".. ثم روايةُ (حربُ الكلب الثانية) عن توحشِ البشر.. والتي تحولتْ لفيلمٍ عالمي.

"مها السّقا" الفنانة التي تقاومُ وتنشر قضيتَها بالإبرة والخيط.. بأزياءٍ تراثية.. ترسم الطّبيعةَ والعاداتِ والتّاريخَ والعَلمَ والكوفية والأطعمة.. معها نساءٌ يغزلن الحنينً بأناملهن، تطرزُ ملابسَ العروسِ التراثية لكل قرى ومدنِ فلسطين، حيث ثوبُ العروس من "غز ة" يختلف في النقش والألوان عن "يافا" أو "حيفا" أو "رام الله" وغيرها.. وهكذا.. وملابسَ رجلِ الدّين المسلم والمسيحيّ، وزي المدارس وأثوابَ الجدات.

معارضها الشوارعُ والحواري بفلسطين وأمريكا.. حاربت لتدخل موسوعةَ "جينيس" بثوب الجدات بمساحة "ملعب كرة قدم" مليء بالزخارفِ الكنعانية.. كلُّ هذا بسبب "طالبٍ فلسطيني" ركب "طائرةَ العال" عليها مضيفة؛ ترتدي ألوانَ ونقشَ جدات فلسطينيات وتدَّعي أنه تراثُها الوطني.. وحين أنكر عليها ذلك، قالت: لو كان تراثكم للبسته نساؤكم !! أبلغ الشابُ "مها السقا" فبدأت من فورها مسيرتها الفنية.

"واسيني الأعرج"؛ الأديبٌ والروائيٌّ والأكاديميٌّ العالميٌّ الجزائريٌّ؛ الذي يعيش بفرنسا.. له ثلاثون روايةٍ.. وتناولت مجهوداته أكثر من ثلاثين رسالةِ ماجيستير ودكتوراه قال لي: الذاكرةُ العربيةُ حال استنهاضِها واستيقاظِها تصبحٌ كالعاصفةِ لا يستطيعُ أحد مقاومتها.

وقال: إن القضيةَ الفلسطينيةَ قُدمت سياسيا فلم يشعر بها الآخر.. فالآخر يجب الدخولُ إليه بشكلً إنسانيّ -بحكم غربتي وإقامتي بينهم مذ عقود طوال- فكان هذا الباب الذي ولجته في روايتي (سوناتا لأشباح القدس) للعبورِ لأجل إقناعِ القارئِ العالمي.

"منال ديب"؛ فنانةٌ تشكيلية فلسطينية مقيمةٌ بأمريكا.. رسمَت على جدرانِ "رام الله" فطاردُها المحتل، هاجرت لأمريكا.. وعرضت بأهمِ قاعاتها؛ ضفّرتْ قضيتَها باللغةِ العربية وبالقيم الإنسانية.. وكثيرًا ما كانت معارضُها تتحولُ لندوةٍ دون ترتيبٍ مُسبَق؛ نتيجةً لسؤال المريدين عن معنى لوحاتِها وأُسسِ قضيتِها الفلسطينية.. فتتسعُ دائرةُ التعاطف.

"نصير شَمّة"؛ الموسيقارُ العالميّ العراقيّ؛ الذي قدم العديدَ من الحفلات في أوروبا تشرحُ القضيةَ الفلسطينية وتدعمُ فعالياتِ "يومِ الأرض" و"يومِ القدس" و"الانتفاضة".. واستقاها كلَها من عيونِ الشّعرِ الفلسطيني.

"شفيق الخليل أبو بشار"؛ مؤرخٌ ومفكرٌ ومحللٌ سياسيّ وإعلاميّ فلسطينيّ، قضى عمره بأمريكا ينافح عن القضية الفلسطينية ويبصّر بحقيقة الصهيونية، وله العديد من الكتب باللغة الإنجليزية، اتصل بي ذات مقال يستأذنني في ترجمة كل ما كتبته من مقالات وقصص للغة الإنجليزية ونشرها بالصّحف الأمريكية، ثم سألني: "هل انت من آكلة الزيت والزعتر"؛ فذلك القلم الجرئ لا نعهده فيمن كَتب عن فلسطين إلا من أهلها؛ فلما علِم أني مصرية؛ ابتهج قائلًا: أنتم من ساندتم القضية الفلسطينية على مدى التاريخ القديم والحديث.

فضلًا عن: أنور الخطيب/ د.يوسُف حِطّيني/ ربا شعبان/ جميل داري/ سمير الحاج/ محمود مُفلح وغيرهم.. كتبوا دواوينَ ورواياتٍ وموسوعاتٍ وكتبًا نقدية وقصصية تحفظُ التراثَ الفلسطيني؛ وتحكي معاناةَ الفلسطيني؛ وتمت ترجمةُ ُ إبداعاتِهم لأكثرِ من لغة.. والفضلُ يعود للمهاجرِ الفلسطيني في بلادِ الغربة والمنافي المختلفة الذي يسعى لترجمة إنتاج مبدعي وطنه.. يلعبون دورًا بات بديلًا عن دورِ السّياسيّ الثوري الذي عهدناه بخطبِه الرنّانة.

وأنا بدَوري قد حذوتُ حذوهم.. فكتبتُ مقالاتٍ عدة؛ وقصصًا قصيرةً؛ (ومئاتِ الخواطر ربما ترقى لمرتبة الشِّعرِ الحُر.. لكني أهابُ طباعتَها وسأعرضُها على النقادِ بإذن الله)، تناولتُ فيها مآسي الشّعب؛ من الأسير؛ للطفل؛ للفتاة؛ للجَدة؛ لأم الشهيد؛ لمعاناة التدريس؛ لطمس الهوية ؛واحتفالات يوم الأرض؛ والعودةِ؛ والقدسِ؛ والتراثِ الفلسطيني؛ بل ومعاناة الفلسطيني بدءًا من جدران المطارات الباردة وصولا للمنافي وبلاد الغربة.. وغيرها؛ كلها تعزف على الوتر الإنساني؛ منها: "خديجة لا تُغلقي البابَ"، "أحِنُّ إلى أمي أحِنُّ إلى نور"، "حدوتةٌ قبل العيد"، "اتركوا فلسطين لأهلها"، "أقصانا أم أدنانا ؟"، "أغنامٌ على ظهر السفينة"، "العروسُ مستوفيةُ الشّروطِ لكنّها متزوجة !!"، "هل باع الفلسطينيون أرضهم"، "حنظلة في غز..ة"، وغيرَها من القصص والمقالات.



ليست هناك تعليقات

نرحب دائما بتعليقاتكم