الناصريون قادرون ... ويمكنهم
محمود عبد الحميد
الأمين العام للمؤتمر الناصري
كانت مصر قد شهدت عمليات بطولية نوعية محكمة
ناجحة ضد الوجود الصهيوني فى قلب القاهرة،
ولم تكن الناس وقتها تعرف أو تألف هذا الأسلوب الناجع الفعال جدا رغم غضبها الشديد
الدائم على إتفاقية العار الشاذة مع الكيان الصهيوني اللقيط المسماة بكامب ديفيد، ولم يكن مسموح
لأحد أن يعرف عنها شيئا غير ذلك المشهد البغيض من زيارة الرئيس القتيل على يد شعبه
للقدس العربى الشريف تحت الإحتلال الصهيوني
الإستعمارى الإستيطانى كأول إعتراف عربى رسمى خائن خسيس ذليل، وسط غضب
واعتراضات وعدم استيعاب أو تصديق الجماهير العربية عامة وفى مصر خاصة،( رحم الله
الشهداء سعد حلاوة وسليمان خاطر وكل من على دربهم ). وإنما وكما هى العادة فى
محاولات النخبة العربية المختلفة، أن تحاول ما إستطاعت دائما إنما دونما جدوى
مباشرة فلم تتمكن من إنجاز شيء يذكر، وأصبحت إتفاقية العار واقع أليم ذليل عانينا
من ويلاته من وقتها إلى الأن وإلى سوء المصير طالما ظلت قائمة .
إلا أن التعبيرات والمحاولات الناصرية فى واحدة
من أخلص وأشرف تجلياتها وأكثرها تأثيرا كان لها رأى آخر، فأعلنت ( ثورة مصر
الناصرية ) مسؤوليتها عن عمليات تعقب واغتيال عناصر الموساد الصهيونية الدنسة على
أرض القاهرة العزيزة الطاهرة، ولم يكن أحد من العالمين يعرف أنه من خلف هذا كله فى
صمت وإيثار، كان الإبن البار، دكتور مهندس خالد جمال عبد الناصر، والمناضل محمود
نور الدين ورفاقه المخلصين .
إلا أنه على الرغم من ذلك وفى كل هذه الأثناء
لم يشر حينها أحد إلى الناصريين، ولم يكن قد تم أعتقالهم أو سؤالهم فى هذه المرحلة
رغم حملات الاعتقال التى تطالهم عادة مرارا وتكرارا بمناسبة وبغير مناسبة ودائما.
إلى أن كان صيف العام 1986 وفى واحد من أيامه
الساخنة ، قادت مصادفة عجيبة، غريبة من نوعها إلى مداهمة واعتقال مهندس إلكترونيات ( غير معروف سياسيا وقتها)
وضبطت بحوزته شحنة متفجرات كبيرة ! تبين فيما بعد أنها كانت معدة لتفجير واحدة من
الرحلات الصهيونية البرية لفرض التطبيع بين القاهرة وتل أبيب، وكان على متن هذه الرحلة خلية من الموساد
الصهيوني حسبما قادت التحريات حينها ،
وعلى أثر ذلك وفوره كانت حملة إعتقالات واسعة قد طالت كل أو جل رموز وعناصر
وقيادات من التيار الناصري وسط إندهاشاتهم وتساؤلاتهم جميعا حول أسباب هذه الحملة
الموسعة جدا من الاعتقالات دونما سبب يعرفونه !
لم تدم حملة الاعتقالات هذه كثيرا ، خرج جميع
المعتقلين بعد تحقيقات ومداهمات تفتيش لمنازلهم ومقار عملهم لم تسفر عن شيء، إلا
جمال منيب مهندس الإلكترونيات والذى كان بحوزته شحنة متفجرات كبيرة معدة ومجهزة
للتفجيرعن بعد، كان لم يتمكن من إخفائها وإعادتها لمكانها نظرا لظروف إلغاء
العملية المفاجئ لإحتمال مقتل أو إصابة مصريين بنسبة كبيرة ،
وكذلك لم يخرج من الاعتقال شقيقه المحامى
القدير والقيادى المعروف والمناضل الناصري المخلص الأستاذ محمد منيب المحامى وكان
بحوزته ورقة تنظيمية صغيرة ، لم يكن الأمن يعرف وقتها أنها تابعة لتنظيم آخر، محمد
منيب وجمال منيب هما شقيقين للحاج محمود منيب ، وهو كبير عائلة منيب كما هو كبير
القيمة والقامة بين صفوف وقيادات التيار الناصري .
كميات أخرى كبيرة من المتفجرات والأسلحة تم
ضبطها فى أماكن أخرى تم اكتشافها فى عهدة مهندس جمال منيب، وكانت كميات كافية
ليتلقى هذا الكم الهائل من التعذيب والتهديد بزوجته ووالده المسن وأبناؤه وكان قد
تم اعتقالهم جميعا أيضا.
وقع فى علم المحامين أثناء متابعاتهم الدؤوبة،
أنه قد صدرت قوائم اعتقال أخرى شملت محافظات مختلفة لمطلوبين آخرين لم تكن قد
شملتهم حملة الاعتقالات العشوائية الموسعة، وفى سبيل هذه الاعتقالات وفى طريقها،
توالت الاعتقالات وتزايدت بشكل عنيف وقوات مدججة بالسلاح بشكل كثيف ومخيف وشملت
أعداد كبيرة من طلاب الجامعة آنذاك وخصوصا أعضاء جمعية الدراسات العربية التى كان
الدكتور يحيى الجمل رائدا لها، كما شملت كثير من شباب المحامين خاصة ناشطى النقابة
ومن أعضاء جماعة المحامين الناصريين ، علاوة على بعض أساتذة الجامعات منهم من
الجامعة الأمريكية ومن جامعة القاهرة، غير كثير من أهالى وأصدقاء وجيران المتهمين
المطلوب القبض عليهم، فعلى مدار أكثر من عام تقريبا وعلى ضوء التحقيقات المستمرة
وعمليات البحث تمددت وتوسعت واستمرت هذه الاعتقالات فشملت معظم محافظات الجمهورية
كما شملت أعداد كبيرة ممن لهم أى صلة صداقة أو دراسة أو قرابة أو جيرة أو أى معرفة
كانت بأى أحد من المتهمين وخصوصا اللذين لم يتم القبض عليهم واستمر البحث جاريا
عنهم لم يتوقف، بل وازداد شراسة فى مرحلة أخرى لا حقة وتوسعت دائرة الاعتقالات على
أثر محاولة تفجير وقعت فى القنصلية الأمريكية فى الإسكندرية آنذاك دون إعلان ودون
الوصول للمسؤول عنها .
إلى أن أصدر النائب العام قرار الإتهام فى القضية 496 حصر أمن الدولة
العليا طوارئ فيما سمي إعلاميا بقضية "التنظيم الناصري المسلح"، حيث
طالبت النيابة العامة بتوقيع أقصى العقوبة وطالبت بإعدام جميع المتهمين ، بعد أن
كانت قد وجهت إليهم إتهامات متعددة منها محاولة قلب نظام الحكم بالقوة المسلحة،
وتهديد مصالح دولة صديقة (إسرائيل) ! وتعقب ومحاولة إغتيال سفيرها ودبلوماسييها فى
القاهرة ، وكانت قد استقرت النيابة العامة
بعد فترة طويلة من التحقيقات أن يقتصر قرار الإتهام فى القضية عل شمول ستة عشر
متهما فقط، كان ثمانية منهم قيد الاعتقال خلف قضبان المحاكمة ، وثمانية آخرين لم
يتم التمكن من القبض على أى منهم طوال عام ونصف وحتى إنتهاء القضية ، برغم إعتقال
معظم أهاليهم وأقاربهم وأصدقائهم وجيرانهم وذويهم ، وبرغم أنباء عن مشاهدات بعضهم
فى القاهرة وأماكن أخرى وأن لقاءات شوهد بعضهم فيها، بعضها كانت سياسية وأخرى كانت
تنظيمية وبعضها كانت عائلية بطبيعة الحال كانت قد جمعتهم على إستمرار الحلم
والحياة والمقاومة .( وتلك قصة أخرى طويلة، كثيرة ومثيرة كل تفاصيلها قد يحين أوان
نشرها يوما فى رصيد خبرات التيار)
إنعقدت جلسات المحاكمة فى محكمة جنوب القاهرة
فى منطقة باب الخلق المزدحمة حيث ثمانية من المتهمين خلف القضبان فى قفص المحاكمة،
ومن الثمانية الآخرين المطلوبين من كان حول المحكمة أو فى الجهة المقابلة دون أن
يشعر بهم أحد! يتابعون الموقف ما استطاعوا
لتقرير ما يمكنهم عمله فيما بعد على ضوء سير المحاكمات واتجاهاتها وما إن كانوا
سوف يضطرون لمغادرة البلاد بناء على نصائح المحامين أو سيبقون متخفين يواصلون
حياتهم ونضالهم بطريقة أخرى .
واستمرت جلسات المحاكمة طوال أسابيع متواصلة فى ظاهرة وتظاهرة تضامن
فريدة مجيدة ملفتة، القاعة ممتلئة محتشدة عن آخرها، الأرواب السوداء تملأ كل مقاعد
القاعة ومثلهم وقوفا غير أهالى المتهمين الحاضرين منهم والهاربين، مجلس نقابة
المحامين كاملا وكان على رأسه حينها النقيب صبرى مبدى وسامح عاشور عن مقعد الشباب
،وكذلك إتحاد المحامين العرب، وكل جماعة المحامين الناصريين وأصدقاؤها ، وكان
يترأس هيئة الدفاع الدكتور عصمت سيف الدولة والأستاذ فريد عبد الكريم والقديس نبيل
الهلالى ، وشارك من الوفديين محمود السقا وعبد العزيز محمد وأيمن نور. كل أولئك
كانوا متطوعين لم يتقاضى أحد منهم قرشا واحدا، إنما كانوا يدافعون عن قضية وطن
وضمير أمة وتوجه أصيل للمواجهة والمقاومة. كانوا جميعا وبحق أبطال إستثنائيين لا
يمكن نسيان فضلهم جميعا وقد بذلوا أقصى ما يمكن تحمله واستطاعته فى كل مراحل
الاعتقال والتحقيق والمحاكمة، بل كانوا هم بحق بمثابةأهالى المتهمين الأقرب
والأكثر تلبية لحاجاتهم واحتياجاتهم عبر زياراتهم المتكررة والمتواصلة وما تستلزمة
من جهد ونفقات، وكان للبعض منهم خاصة الشباب أدوار فى التواصل بين المتهمين خلف
القضبان والمتهمين المطلوبين وذوى وأهالى كليهما وآخرين. لقد تحمل هؤلاء
الشباب حينها الجهد الأكبر والأعظم بكل
صدق ومحبة وإخلاص دون كلل أو ملل من أى نوع وفى أى وقت. لا يمكن حصرهم هنا فى هذا
الإختصارمخافة سهو أو نسيان أحد منهم وإنما هم يعرفون أنفسهم ويتذكرون بعضهم،
ولعله يتوجب عليهم وعلى سبيل المثال لا الحصر الأساتذة عصام الإسلامبولى وسيد
شعبان ولمياء مبدى وميرفت أبو تيج وحسن سالم وسامح عاشور ونبيل عبد السلام أو أحد
منهم أو رفاقهم أن يسطروا هذه الملحمة وأن يضعوا على قائمة الشرف كل الأسماء والقامات العزيزة النبيلة، رحم الله
عبد العظيم المغربى وسيد عبد الغنى ومحمد منيب وعلم الدين زنط وأحمد عبد الحفيظ
وبارك فى أصحابهم ورفاقهم وذويهم .
وكنا نحن اللذين خارج القضبان قد تتبعنا القاضى
رئيس المحكمة وتوفرت لدينا المعلومات التى تشير جميعها لبساطته واستقلال شخصيته
حيث شهدناه فى الأسواق يقضى حاجاته بنفسه ويستقل المواصلات العامة ولا يمتلك سيارة
، وعرفنا عن حيدته ونزاهته وعدالة أحكامه دون تدخل فاطمأننا. وأصدرت هيئة المحكمة
حكمها ببراءة جميع المتهمين حضوريا وغيابيا، وبالسجن خمس سنوات للمتهم الثالث
لحيازته متفجرات وأسلحة، إلا أنه كان قد قضى منها ما يقرب من سنتين منذ اعتقاله
بدءا من مديرية أمن البحيرة .
فى نقابة المحامين فى وسط القاهرة كان مؤتمرا
ضخما حاشدا ومهرجان إحتفالى كبيربإرادة
الصمود والإنتصار، مشاعر أكبر بكثير من أن توصف ، كان هذا تحديدا تعبير
الفقيد المخلص الكريم عزازى على عزازى وقد كان حاضرا للقاء بإعجاب وحفاوة وإخلاص
وتقدير ، مشاعر يصعب وصفها ، إلتئم شمل الجميع فى زهو وانتصار وافتخار، فجأة حضر
جميع المتهمين الثمانية المطلوبين منذ
أكثر من عام ونصف ، إصطف جميع المتهمين وتشابكت أيديهم مرفوعة كما هاماتهم
ومشروعهم بين أحضان الأهالى والرفاق من عموم صفوف التيار وبكل العرفان لكل المحامين
والحاضرين، وكل تلك القصص النبيلة من الأهالى والجيران وما عانوه وما بذلوه راضين
مضحين مؤمنين بتلك القضية وأولئك المحتشدين ، وكانت الكلمات مخلصة صادقة مؤثرة
معبرة ، كانت لحظات إلتفاف وانصهار وانتصار محفورة فى وجدان هذه المرحلة من عمر
التيار، كان التفاف حول مشروع وتوجه تذوب فيه الأشخاص وتتوحد ذواتها وقيمتها
بالقيمة الجماعية والموضوعية ولم يكن ذلك يوما ولم يتحول أبدا لإعلاء قيمة الذات
أى ذات أو البحث عن صناعة أو اختلاق مزيد من الزعامات أو المجموعات .
أحكام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ هذه نهائية غير قابلة لنقض أو إستئناف ، تخضع فقط
لتصديق الحاكم العسكرى رئاسة الجمهورية ، ولم يكن مفاجئا أن يكون التصديق برفض الحكم وإعادة المحاكمة ، ومن جديد
بدأت المحاكمات وإنما فى هذه المرة وقف جميع المتهمين فى قفص الإتهام وتمت إعادة
المشهد كاملا أمام دائرة أخرى برئاسة المستشار محمد سعيد العشماوى ، والذى كتب فى
مذكراته فيما بعد ( على منصة القضاء ) أنه قد قام بزيارته فى غرفة المداولة وقبل
بدء الجلسات مبعوث من رئاسة الجمهورية ! إستمع إليه الرجل غاضبا واستأذنه فى
الإنصراف ومغادرة مكتبه ، وبعد نهاية جلسات المحاكمة والمرافعات على مدار أيام
متواصلة ، أصدر الرجل حكمه التاريخى الذى أدان فيه النيابة العامة لعلمها بالتعذيب
وتسترها عليه، كما أشاد بالمتهمين بنص الحكم (أنهم من خيرة شباب الوطن). أصبح
الحكم باتا نهائيا وإنتهت المحاكم من نظر القضية ، وإنما خلفت وراءها ملف كبير
تجاوز الخمسة آلاف صفحة وتجربة لم تعرف كل
تفاصيلها بعد وتبقى بكل ماحولها
وما سبقها وما بعدها فى رصيد تاريخ وخبرة هذا التيار .
من بين بعض الصفحات وماكان متدوالا وقتها فى
حوارات متعدده بين مختلف الأطراف، أن هذه التجربة وما تكشف منها كانت فوق الرصد،
ليس فقط الرصد الأمنى حيث كانت تصنيفات بعض المتهمين فى ملفات أمن الدولة ما بين
ماركسيين وإسلاميين ! وبعضهم لم تكن له ملفات أصلا ! وإنما كانت كذلك فوق الرصد
السياسى والتنظيمى والناصرى أيضا، حيث كان يتنازع نادييى الفكر الناصرى حينها (
عمرو الشوبكى والغيطى وابراهيم عيسى من ناحية وضياء رشوان ودينا الخواجة وأسامة
طلعت من ناحية أخرى ) محاولة تجنيد العناصر الطلابية من اللذين إتضح بعد ذلك أنهم
من المتهمين فى هذا التنظيم ، غير محاولات فيما بعد إجتهد فيها محمد سيف الدولة
وأنصار الطليعة، الأمر الذى وصل إلى حد إعتقال البعض منهم على ذمة
قضايا تخص تنظيمات ناصرية أخرى فى حينها، وبينما كانوا منخرطين تماما
وناشطين جدا أفرادا ومجموعة متماسكة فى العمل العام والجماهيرى سواءا فى الجامعات
أو بعض النقابات وبعض الأحزاب وقتها، كان قد جاء فى فى بعض مقاطع من صفحات
التحقيقات، أن منهم من سافروا سفرات متعددة لدول أجنبية وعربية وفى الجنوب
اللبنانى تلقوا تدريبات نوعية متعددة فى مجالات مختلفة، ومنهم من كان بصحبة جمال
منيب يعرفهم بأسماء حركية يستخرجون المتفجرات من بعض حقول الألغام فى سيناء وأماكن
أخرى، فى كل الأحوال تظل هذه الآلاف من صفحات ملف القضية 496 حصر أمن الدولة
العليا طوارئ ذاخرة بمعلومات وتحقيقات وخبرات متنوعة تبقى جزء من خبرة ورصيد
التيار الناصرى والحركة السياسية والتنظيمية عمومان إلى أن يأتى الوقت لسرد كل هذه
التفاصيل كاملة وأشياء أخرى .
كانت قد ظهرت فى بعض الصفحات بعض حروف مفردة ( ط . ع ) على سبيل المثال، رموز تختصر
كلمات ومعان، وإنما لها تاريخ بعيد ومجيد،
يعود هذا التاريخ إلى معلومات وخطوات سرية فى مشروع جمال عبد الناصر أثناء حياته
وبعدها، لم يطلع عليها أحد غير المعنيين ولم يعلن عنها عبد الناصر نفسه ولم يشير
إليها أبدا صراحة، وحافظ على سريتها كونها كانت ما تزال قيد البناء.
لم يكن جمال عبد الناصر ماضويا ابدا وإنما كان
دائما يتطلع إلى المستقبل، ولم تدع له معاركه اليومية وقتا للتوقف أو النظر إلى
الخلف ، عقب إنفصال الإقليم الشمالى للجمهورية العربية المتحدة فى العام 1961 ظل
جمال عبد الناصر منشغلا يبحث الأسباب ويدرس البدائل ليخوض تحديات المستقبل، يدرس
ويبدع أفضل وأضمن الأساليب والوسائل
والطرق وصولا لدولة الوحدة وإنجاز المشروع، وبينما كان الحوار والحديث والخطاب حاضرا وقتها
عن الحركة العربية الواحدة كانت الخطة
وكان الإختيار من بين الرجال ومكتب الشؤون العربية من عهد إليه القائد
بمهمة البدء فى تأسيس وبناء ( الطليعة العربية ) التنظيم القومى فى مختلف ساحات
الوطن العربي وفى المهجر حيث الشباب العربى
فى المنح والبعثات التعليمية، فكانت رابطة الطلبة العرب الوحدويين والتى أصبحت
فيما بعد رابطة الطلبة العرب الوحدويين الناصريين .
وفى واحدة من هذه الروابط، وفى يوغسلافيا
تحديدا كان صلاح الدين دسوقي موفد من الدولة المصرية فى بعثة لنيل درجة الدكتوراة
فى علم الإدارة ، وكانت هذه الرابطة بفروعها العشر من أنشط الروابط وأكبرها فى
أوربا عموما. وبينما كان جمال عبد الناصر يخوض حرب الإستنزاف مع العدو
الصهيوني كانت حركات البعث والمتربصين
بعبد الناصر بعد النكسة فى سبيلهم للإعداد لمؤتمر ضخم ينظمه اتحاد الطلبة العرب في
المملكة المتحدة، وكان آنذاك يخضع لعناصر من بعث العراق يأتي على رأسها أياد علاوي
الذي نظم بعد ذلك بسنوات مؤتمر لندن للمعارضة العراقية حتى دخل على ظهر دبابة
أمريكية تغزو العراق في العام 1983. إتخذ المؤتمر عنوانا له هو وحدة الحركة
الطلابية العربية في أوروبا ودعيت له كافة الاتحادات والروابط الطلابية هناك.
أرسلت الرابطة في يوغوسلافيا وكذا الروابط الشقيقة في النمسا وتشيكوسلوفاكيا
وأسبانيا وغيرها وفدا منها وكان الأمر كذلك لعدد أخر من التكوينات الطلابية. كان
الهدف الحقيقي من هذا المؤتمر هو الهجوم على عبد الناصر وإدانته لقبول مبادرة
روجرز. هنالك تمكنت وفود الروابط الوحدوية من السيطرة على المؤتمر وتغيير مساره
وقراراته.
وكان البيان الصادر عن المؤتمر بتأييد عبد الناصر ودعمه فى الحرب ضد
الصهيونية وأرسل برقية بذلك القرار أرسله إلى القائد يوم 26/9/1970. انسحب
البعثيون وغيرهم من المؤتمر ولم يصدروا بيانهم
المنشود ضد جمال عبد الناصر، ووصل تكليف للسفير المصرى فى لندن بالإلتقاء
بصلاح دسوقى ورفاقه وشكرهم وتحيتهم وإبلاغهم بموعد للقاء مع القائد بالقاهرة فى
أكتوبر1970. ورحل جمال عبد الناصر فى 28 سبتمبر ولم يكن للطليعة العربية بعد فرع
فى مصر .
إنقلب السادات سريعا في 15 مايو 1971وارتد
مبكرا جدا وقاد الثورة المضادة واعتقل بسرعة وسهولة رجالات دولة عبد الناصر لم
يغادر منهم أحدا وقد كانوا على رأس كل مفاصل الدولة ! إلا أنه تم التمكن من إخفاء
أي معلومة ممكنة ترتبط بالطليعة العربية عن السادات وأجهزة أمنه ومخابراته وكان قد
عهد إلى محمود السعدنى على عجل بمهمة إحرق وإتلاف والتخلص من كل أوراق وملفات الطليعة
فى مكتب الشؤون العربية ، ولم يصل أحد إلى شيئ رغم كل محاولات التقصى وراء ذلك فى
داخل مصر وفى خارجها، مما مكن التنظيم من إعادة البناء ولعله كان هو الناجى الوحيد
من إنقلاب السادات وثورته المضادة التي انقضت على مشروع الثورة العربية لتدخل مصر
والوطن العربي مرحلة للانكسار والتماهي مع المشروع الاستعماري الصهيوني والذي نشهد
ألآن أحدث فصوله في فلسطين المحتلة ولبنان واليمن .
ورغم كل الآلام ورغم عظم التحديات ورغم نزيف
الدماء الطاهرة على الأرض العربية ،فإن المقاومة مستمرة، وإن الوعي الشعبي العربي
بل والدولي بدأ في الاستفاقة عن الطبيعة الاستعمارية الاستيطانية للكيان الصهيوني،
وإن الناصريون إن شاء الله بمشروعهم وإرادتهم وخبراتهم وتاريخهم ووحدتهم قادرون بعون الله، قادرون و يمكنهم، فإن النصر عمل، والعمل حركة،
والحركة فكر، والفكر فهم وإيمان . إن كل شيء يبدأ بالإنسان . وإن ما أخذ بالقوة لا
يسترد بغير القوة . وإن نضال الشعوب إلى نصر أكيد طال الأجل أم قصر.
مقال شامل يدلل علي خبرة وثقل التيارالتنظيمي ورصيده النضالي منذ الطليعة العربية ثم التنظيم الناصري المسلح وثورة مصر
ردحذفحقا انهم رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه
شكرًا استاذ محمود عبد الحميد علي السرد الشيق والدقيق واخيرا نثمن مجهوداتكم الواضحة إعلاميًا من خلال المؤتمر الناصري العام انها صحوة إعلامية جاءت متاخرة كثيرا والحمد لله أنها جاءت