جمال أسعد يكتب : الطائفية والمواطنة (١)
يكتبها : جمال أسعد
هذه القضية يتم فيهما الخلط والتداخل ، بل الأصح التناقض، فلا مواطنة حقيقية فى ظل مجتمع يتسم بالطائفية، سواء كانت تلك الطائفية على الأرضية الدينية أو السياسية أو الاجتماعية. ولذا بداية لابد من توصيف كل من الطائفية والمواطنة.
فالطائفي بحسب معجم أوكسفورد هو الشخص الذى يتبع بشكل متعنت طائفة معينة، أى أنه الذى يرفض الطوائف الأخرى ويبغضها وينتقص من حقوقها أو يكسب طائفته تلك الحقوق التى لغيرها تعاليا على بقية الطوائف أو تجاهلا لها وتعصبا ضدها، فى حين لا يعنى مجرد الانتماء إلى طائفة أو فرقة أو مذهب جعل الإنسان المنتمى طائفيا.
أما المواطنة . فهنا لابد أن نذكر بالمادة ٥٣ من الدستور المصرى ٢٠١٤ (المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللون أو اللغة أو المستوى الأجتماعى أو السياسى أو الجغرافى أو لأى سبب آخر).
كما أن المواطنة الحقيقية التى تعاش على أرض الواقع عمليا لا تتحقق بتلك النصوص الدستورية والتشريعات القانونية فقط. فالمواطنة تتحقق بالإرادة والعمل وممارسة تلك الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أرض الواقع عملا فعليا وممارسة حقيقية تطبيقا لتلك النصوص . لأن هناك فارقا بين تلك النصوص فى إطارها النظرى وبين التطبيق العملى وتجسيد هذه النصوص واقعا معاشا .
والأهم أن هناك فارقا شاسعا وبونا كبيرا بين مجتمع طائفى وبين مجتمع يحقق المواطنة تحقيقا عمليا وفعليا على أرض الواقع . فالمجتمع الطائفى هو ذلك المجتمع المنغلق على دين أو مذهب أو معتقد واحد دون باقى الأديان والمذاهب والمعتقدات . وهو المجتمع الذى يخلط بين المجال الخاص وبين المجال العام. الشئ الذي ينتج انقساما مجتمعيا وتباينا ثقافيا وصراعا دينيا يفتت التوحد الوطنى ويحدث اغترابا مجتمعيا ووطنيا للطوائف المهمشة مما يهدد سلامة الوطن والمواطنين. والأهم والأخطر أنه يعطى الفرصة للقوى المتامرة والمتربصة للانقضاض لتفكيك وتفتيت الوطن، سواء كانت تلك القوى داخلية أو خارجية خاصة .
قضية التفتيت المجتمعى والوطنى هى لعبة القوى الاستعمارية منذ الحملات الصليبية مرورا بكل أشكال الاستعمار بكل صنوفه ومسمياته. كما أن الطائفية بكل صورها وممارساتها حتى الآن ترجع إلى عهود مضت لم تكن لها علاقة بالسياسة ولا علومها. ولذا تعتبر إرثا تاريخيا وهي إحدى موروثات الفترة العثمانية التى كانت تعتمد على نظام الطوائف. فلا مواطنة ولا حريات ولا حقوق غير ما ينعم به (الحاكم بأمر الله) على رئيس الطائفة . تلك النعم التى تأتى فى ظل رضا هذا الحاكم، وحسب العلاقة الخاصة والعامة مع رئيس الطائفة. فكان المجتمع ينقسم إلى طوائف مثل طائفة النجارين أو الحدادين أو التجار وكذلك طائفة الأقباط ...الخ .
أما مجتمع المواطنة الحقيقية التى تحقق المساواة فى الحقوق كل الحقوق، والواجبات كل الواجبات، كما أقرت المادة ٥٣ من الدستور المصرى . فهذه قضية أخرى وإشكالية تحتاج إلى نقاش.
حفظ الله مصر وشعبها العظيم.
ليست هناك تعليقات
نرحب دائما بتعليقاتكم