هل قايضت روسيا أوكرانيا بسوريا؟
الدكتور أحمد الصاوي*
مفكر قومي، باحث ومحلل سياسي
يسود الاعتقاد بين الكثيرين أن تخلي روسيا عن نظام بشار الأسد قد أتى في خضم عملية مقايضة تتنازل فيها روسيا عن وجودها العسكري في سوريا نظير تسوية سلمية ترضي موسكو في أوكرانيا وذهب البعض إلى أن هذا التفاهم تم بإيعاز من دونالد ترامب ليفي بوعده للناخبين بإيقاف الحرب في أوكرانيا.
قد يكون ذلك صحيحا ولكنه حتى اللحظة ليس أكثر
من تخمين يفتقد المعلومات الموثوقة.
وربما أخالف هذه التوقعات مرجحا أن التفاهم
القائم هو بين تركيا وروسيا مع تطمينات بذلتها أنقرة لكل من واشنطون وتل أبيب بحكم
أن فصائل المعارضة المسلحة تخضع كليا لتركيا تمويلا وتسليحا وتدريبا وتوجيها
وجهة نظر أردوغان أن هدف تركيا الرئيسي هو
منع إقامة دولة كردية في سوريا والعراق أيضا وهذا خط أحمر وفقا لنظرية الأمن القومي
التركي لأن نشأة دولة كردية في سورية تسيطر عليها عناصر حزب العمال الكردستاني المحظور
في تركيا سيثير الاضطرابات في جنوب شرق تركيا حيث الغالبية الكردية من السكان وانفصال
هذا الإقليم عن الجمهورية التركية يعني ببساطة فقدان خزان المياه الكبير الذي يوفر
الغذاء للاتراك حيث يقع سد أتاتورك والفرات في هذا الإقليم.
والحقيقة أن تركيا امتنعت عن استخدام أراضيها
لمرور قوات الغزو الأمريكي للعراق لهذا السبب وعندما بدأت العمليات العسكرية في سوريا
سارعت باحتلال الشمال السوري وجاهدت حرفيا لتتريكه مع الضغط عسكريا على الأكراد في
منبج وكوباني وغيرها من مناطق تركز العناصر الكردية.
وعندما حضرت روسيا وأقالت عثرة نظام بشار
ودعمته لاستعادة مناطق واسعة من الأراضي التي وقعت تحت سيطرة الفصائل المسلحة تفاهمت
أنقرة مع موسكو على ترتيب الأمور في إدلب على قاعدة أن تبقى حكومة الأسد في دمشق حجر
عثرة في وجه إقامة الدولة الكردية بينما تحتفظ أنقرة بفصائل إدلب مع التعهد بنزع صفة
وكينونة الإرهاب عنها
ومع تصاعد الأمور في قطاع غزة وجنوب لبنان
خشيت أنقرة من أن يؤدي الانتصار الإسرائيلي الوشيك أو بالادق الانتصار الأمريكي إلى
التأثير على توازن القوى القائم فطلبت بوضوح عقد مصالحة مع بشار الأسد ودعاه أردوغان
للاجتماع معه ويغلب الظن بأن روسيا نصحته بقبول الدعوة ولكن دمشق اشترطت انسحابا تركيا
من الأراضي السورية التي تحتلها بما يعني نزع أوراق التفاوض التي بحوزة أنقرة قبل أن
تبدأ المفاوضات
ومع الاعتراف بأن التجهيزات الميدانية لاجتياح
خط حلب-حماة- حمص كانت جاهزة منذ ٢٠٢٢ على أقل تقدير إلا أن قرار تنفيذها اتخذ بعد
الضربات الأمريكية بالقفاز الإسرائيلي التي تصاعدت منذ ضربة البيجر والتي بات واضحا
معها أن جبهة لبنان ستنطفئ وستكون تل أبيب مطلقة السراح آمنة من تدخل مؤثر من قوات
حزب الله إذا ما قررت ضرب سوريا لمنع إمدادات السلاح عن حزب الله وخشيت أنقرة ألا تستطيع
قطع الطريق على تنفيذ كامل الخطة الأمريكية للشرق الأوسط الجديد أي تقسيم دولها لدول
أصغر على خلفيات طائفية وعرقية.
تفاهمت تركيا مع روسيا على أن تنزع غطائها
عن نظام بشار نظير ضمان بقاء القواعد العسكرية الروسية باتفاقات جديدة مع الحكومة التي
ستشكلها المعارضة السورية المسلحة التي ترعاها تركيا وهذا التفاهم يتكامل مع تفاهمات
أخرى تتعلق بإمدادات الغاز الروسي والقمح والسلع الغذائية وإنشاء محطات نووية روسية
في تركيا وتوريد منظومة إس ٤٠٠ وما إلى ذلك مما لا يحتاج شرحا
والحقيقة أن بقاء روسيا في سوريا يشكل ورقة
ضغط تركية على أي قرار أمريكي بإنشاء كيان كردي رغما عن أنف أنقرة ولعل التصريح الروسي
بأن أمر القواعد العسكرية الروسية سيتم التفاوض بشأنها مع الحكومة السورية القادمة.
بقول آخر فإن روسيا ستحتفظ بموطئ قدم في سوريا
إلى أن تقلع واشنطون عن إنشاء دولة كردية في سوريا بل وفي العراق.
أما اجتياح الكيان للأراضي السورية واحتلالها
وتدمير القدرات العسكرية السورية فذلك أمر لن تعترض عليه تركيا ولا عملائها فذلك أقل
ثمن ستدفعه أنقرة من أرض لا تملكها لتهدئة خواطر واشنطون ومهما قالت أنقرة أنها مع
وحدة الأراضي السورية فذلك محض كلام يلوكه حتى الأمريكان الذين نشروا خرائط للدول الأربع
التي ستقسم إليها سوريا.
وبلا جدال أن تحطيم قوة الجيش السوري وتدمير
أسلحته يجعل من سلاح أحمد الشرع (الجولاني سابقا) حتى لو كان بعض رشاشات وعربات دفع
رباعي السلاح الوحيد في سوريا الجديدة إلى جانب السلاح الأمريكي بالطبع الذي يهيمن
عمليا على الأراضي السورية.
ليست هناك تعليقات
نرحب دائما بتعليقاتكم