متاح الآن

بيان صادر عن الاجتماع نصف السنوي للأمانة العامة للمؤتمر الناصري العام : آن الأوان لتصعيد الاشتباك مع العدو


 

نص البيان الصادر عن اجتماع الأمانة العامة نصف السنوي

القاهرة 16 – 17 يناير 2025

 

يأتي انعقاد الأمانة العامة للمؤتمر الناصري العام في توقيت بالغ الحرج ليس فقط في تاريخ أمتنا العربية بل وفي تاريخ العالم بأسره.

وليس من قبيل المبالغة في شيء القول بأننا نعيش واحدة من أسوأ فترات النضال العربي ليس فقط باعتبار الدماء الزكية التي أهرقت والمقدرات التي أهدرت بل وربما قبل ذلك بالنظر إلى الانقسامات الحادة والخلافات المريرة التي طالت القوى السياسية والأحزاب العربية نتيجة غياب الرؤية وفقدان البوصلة.

إن التشظي الاجتماعي والسياسي الذي ضرب بقوة مجتمعاتنا العربية قد طال أيضا القوى القومية والتقدمية كافة وأفقدها القدرة على صياغة رؤية موضوعية متجانسة للوضع الراهن بعيدا عن تأثير التجاذبات المصطنعة التي أريد بها حرف الصراع الأبدي مع القوى الاستعمارية والإمبريالية عن مساره الرئيسي ودفعه إلى مسارات فرعية تستنزف طاقات النضال العربي وتفرغه من مضمونه كليا.

إن الأمانة العامة للمؤتمر الناصري لتعيد هنا التأكيد على الحقائق الأساسية التي لا يجوز تجاهلها أو التهوين من قدرها وفي المقدمة منها أن العدو الرئيسي للأمة العربية هو الاستعمار العالمي بمختلف مراحله وتعدد أطرافه ولا يمكن الدخول معه في اتفاقات مرحلية أو مهادنات أو شراكات تحت أي مسمى وبأي ذريعة.

ويلحق بتلك المسلمة الأولى أخرى بديهية ألا وهي أن صراعنا مع الكيان الصهيوني الأداة الاستعمارية هو صراع وجودي ولا يمكن التعايش معه أو القبول ببقائه على شبر واحد من الأرض العربية.

إننا ندرك الآن وأكثر من أي وقت مضى أن نضالنا من اجل استخلاص الإرادة العربية من براثن الإمبريالية وتوحيد أمتنا هو جزء من الصراع العالمي ضد الاستغلال الاستعماري الذي اتخذ من العالم كله ساحة لمعاركه من أجل السيطرة على الموارد والأسواق العالمية سواء باستخدام القوة المسلحة أو بأساليب الإخضاع المختلفة.

لقد عمدت القوى الاستعمارية في أعقاب الحرب العالمية الأولى إلى الالتفاف على اليقظة القومية العربية بفرض التقسيم على أمتنا لتكون الدول الإقليمية بنخبها ومصالحها الضيقة حائلا دون نشأة الدولة العربية الواحدة ثم بدأت منذ الربع الأخير من القرن الماضي إلى تنفيذ عمليتين متناقضتين في الاتجاه وإن صبتا في نفس الهدف حيث قامت بتوهين بنى الدول القطرية التي استقلت عن الاستعمار الأوربي وبتوطيد أركان الكيانات القبلية التي تحولت لدول وظيفية تستخدم جانبا من عوائدها الريعية في تنفيذ الخطط الاستعمارية بالمنطقة العربية.

وغني عن كل بيان أن دخول الدول القطرية في درجات مختلفة من الوهن بل والفشل يعود في جانب منه لنفاذ خطط الليبرالية الجديدة سواء بإدماج الاقتصاديات الوطنية في الاقتصاد العالمي أو بالجراحات العميقة في البنى الاجتماعية والتي بدأت بالضغط على الملكية العامة ووظائف الدول الوطنية مما غير لحد بعيد من بنية القوى الاجتماعية ولعبت برامج البنك وصندوق النقد الدوليين دور حصان طروادة في هذا السياق.

ولا يمكن بحال من الأحوال تجاهل تأثير الغزو الفكري والهجمات الخارجية المنسقة على الوعي المجتمعي والتي ترافقت عمدا مع هجمات من اليمين واليسار بذرائع أممية ألحقت جميعها أذى كبيرا بجدارة العروبة فكرا وانتماء ومصيرا وجعلتها ليس موضع شك فحسب بل وموضوعا لهجمات شنت بلا هوادة ليس من قبل الدول الاستعمارية وحدها بل ومن النخب الحاكمة في غير بلد عربي.

إن احتدام الصراع للسيطرة على الاقتصاد العالمي بعد نجاح الليبرالية الجديدة في توطيد أركان العولمة بتحرير انتقال رؤوس الأموال بعد إزالة قيود الجمارك أمام تنقل السلع قد أعطى لوطننا العربي أهمية مضاعفة لدى كل أطراف هذا الصراع المتحاربة والمتنافسة عل حد سواء.

ففضلا عن ثروات الموضع ولاسيما موارد الطاقة والسوق الكبيرة يبقى لموقع الوطن العربي أهمية حيوية سواء لتدفق السلع التجارية وقت السلم أو لحركة الأساطيل وحاملات الطائرات وقت الحرب خاصة عبر المضايق البحرية في البحرين الأحمر والأبيض وقناة السويس وهو ما أفضى إلى تسارع تنفيذ الخطط الاستعمارية لإعادة السيطرة المباشرة على المنطقة والتي تبالغ في إنكار حقيقتها القومية بتسميتها "الشرق الأوسط وشمال افريقيا" في كل أدبياتها ووثائقها.

وتشمل تلك الخطط استصفاء الكيان الصهيوني لكامل الأرض التاريخية لفلسطين وطرد سكانها لخارجها وإعادة تقسيم الدول الوطنية كلها لكيانات قزمية على وقع حروب وصراعات داخلية هجينة تزاوج بين مزاعم دينية وطائفية وعرقية ومناطقية بل وقبلية ولعلنا نرى ذلك ونعاينه منذ عدة عقود في العراق والسودان وليبيا ونشاهده الآن في سوريا وبدأ التحضير له أيضا في المغرب العربي بدءا من الجزائر.

إن دخول المنطقة العربية في طور "الرجل المريض" الذي تقتسم تركته قد استدعى للفراغ الناجم عن عمليات الاقتتال الداخلي قوى إقليمية التحقت فعليا بأطراف الصراع العالمي وكل منها يسعى لوضع اليد على بعض من إرث الرجل المريض.

وبوسع التحليل السياسي للمعطيات والوقائع المجردة في تتابعها التاريخي أن يوضح أبعاد الأدوار التي تلعبها دول الجوار ولاسيما تركيا وإيران وأثيوبيا ترافقا مع خطط التقسيم الاستعمارية وكأنها تبحث بين أسنان التمساح عن بقايا من فرائسه.

ولا يمكن فهم طبيعة ما يجري من تجمع اللئام لاقتسام أرض وموارد الرجل المسجى على فراش التقسيم دون الأخذ في الاعتبار الوهن الكبير الذي طال القوى السياسية القومية والتقدمية حتى باتت عاجزة لأسباب يطول شرحها عن استنهاض جماهيرها وقيادة نضالها للتصدي لمجمل التحديات من فشل وطغيان السلطات الحاكمة وتغول القوى الاستعمارية وهو العجز الذي أورث يأسا أو غفلة دفعت بعضها إلى التحالف مع أذيال وعملاء الاستعمار بل ومع أجهزة استخبارات دولية وإقليمية في مغامرات برجماتية بروح مكيافيللية لم تكن لتنتهي سوى لتمكين الاستعمار وعملائه المحليين من رقاب الأمة. 

وسيتوقف نضالنا العربي طويلا أمام الدروس المستفادة من انتفاضة الأقصى والبسالة التي واجه بها الشعب الفلسطيني ومقاومته المسلحة بمختلف فصائلها هجمات الإبادة التي تشنها البربرية الصهيونية المدعومة بسفور وسخاء كاملين من الناتو في ظل صمت مخزي من النظام العربي الرسمي صمت يصل لحد التواطؤ الذليل.

إن الأمانة العامة للمؤتمر الناصري العام تتوجه في هذا التوقيت بالنداء لكل الناصريين للتمسك بالثوابت الراسخة لنضالنا العربي ضد الاستعمار والتجزئة والطائفية وبالقتال من خندق واحد على امتداد الوطن العربي بعدما بات جليا أمام أمتنا أن الإقليمية نظاما ومسلكا لن تنتهي بنا سوى للسقوط من حسابات التاريخ.

لقد آن الأوان لإعادة الاعتبار لشعار الحركة العربية الواحدة ووضعه موضع التنفيذ بجهد فكري وسياسي وتنظيمي علمي ومنسق يستوعب دروس التجربة ويستوعب المتغيرات الحادة التي يمر بها عالمنا المضطرب.

ليس هذا وقت توزيع الاتهامات والتحلل من المسئوليات وإنما هو وقت العمل والتضحيات لعلنا نسلم الراية خفاقة للأجيال القادمة حتى وإن كانت مضرجة بالدماء فذلك أكرم من أن نتركها منكسة ومجللة بالخزي والعار.

إن الأمانة العامة للمؤتمر الناصري العام وهي ترصد هذه الهجمة الاستعمارية الصهيونية على أمتنا العربية، ترى أنه قد آن الأوان لأن تتخذ الأمة العربية قرارها بتصعيد الاشتباك مع المستعمر على كافة الأصعدة.

المجد لأمتنا والخلود للشهداء

وعلى طريق الحرية والاشتراكية والوحدة

 

الأمانة العامة

المؤتمر الناصري العام


ليست هناك تعليقات

نرحب دائما بتعليقاتكم