متاح الآن

تأملات في مجادلات الصنم



الأستاذ الدكتور أحمد الصاوي

المفكر القومي

رغم العبثية البادية في إثارة الدعوة لنصب تمثال دلسبس مجددا مع مقدم كل محافظ لبورسعيد إلا المجادلات التي تنشب حوله تدعو للتأمل لاسيما من زاوية تعبيرها عن واقع الحال في مصر.

فالبعض ينقض قرار المقاومة الشعبية بإسقاط الصنم من عليائه ويصفه بأنه قرار سلطوي وليس قرارا شعبيا.
وتلك لعمرك فرية تكشف عن خلل مخيف في فهم ما جرى.
فالقرار سواء اتخذته المقاومة الشعبية أو القوات المسلحة التي كانت تقود فعليا عمليات المقاومة داخل بورسعيد إبان العدوان الثلاثي هو قرار للحكومة المصرية في مواجهة العدوان وأثناء حالة حرب.
فالتوصيف الصحيح أنه قرار اتخذته الحكومة الشرعية والوطنية وفقا لواجبها الدستوري في الدفاع عن الدولة وحدودها ومواطنيها وتوصيفه بأنه قرار سلطوي يتضمن فهما غريبا بأنه قرار اتخذ ضد طرف مصري أو طرف له حق قانوني أو ديمقراطي ما.
هل القرارات أثناء الحرب بحاجة لاستفتاء شعبي؟ وتحديدا ما يخص منها مقاومة الأعداء ورموزهم التاريخية؟
هذا التوصيف يفترض أن للصنم حماية ضد أي قرار مصري بينما ليس للدماء المصرية التي سالت والأرواح التي أزهقت أية حصانة في مواجهة أطراف العدوان على بورسعيد.
الأمر الملفت للنظر أيضا هو تعاطي كل من هيئة قناة السويس ومحافظة بورسعيد مع الطلب المزمن لإعادة نصب التمثال منذ إعادة افتتاح قناة السويس بعد حرب أكتوبر ١٩٧٣.
فمن ناحية لم تتقدم فرنسا الحكومة بأي طلب رسمي بهذا الشأن ولكن كانت دوما جمعية أصدقاء دلسبس وهي جمعية ترعاها شركة فرنسية للطاقة والأخيرة تلك هي ذاتها الشركة العالمية لقناة السويس بعد تأميمها وتسوية تعويضات حملة الأسهم.
في كل الحالات كانت لدى هيئة قناة السويس ومحافظ بورسعيد الاستعداد لتلبية طلب جمعية أصدقاء دلسبس ولولا اعتراضات جاءت من أعضاء المجلس المحلي وقت أن كان قائما وقيادات ورموز سياسية وأدبية لأعيد نصب التمثال بكل هدوء.
في الجولتين الأخيرتين (ولاية اللواءان عادل الغضبان ووجيه حبشي) ثمة أمور تستحق التوقف عندها.
أولها أن هيئة قناة السويس استقبلت فنيا فرنسيا تولى تجميع حطام التمثال وإعادة تشكيله واستعواض ما فقد منه دونما موافقة أو إشراف من هيئة الآثار التي سجلت الصنم أثرا اعتسافا وفي مخالفة جلية لنص القانون ١١٨.
وثانيهما أن المحافظة شرعت فعليا في نصب التمثال لولا قرار سيادي ذهب به لمتحف قناة السويس بعد اعتراضات شديدة وعارمة على إعادته للقاعدة.
أما ثالثة الأثافي فهي أن الوعود التي بذلتها جمعية أصدقاء قناة السويس ودلسبس بمنح أموال لبورسعيد وإرسال وفود سياحية سنويا لمشاهدة الصنم كانت أشبه بعمليات النصب الساذجة التي لا تنطلي إلا على طماع أعمت عيونه الفائدة المادية. فبغض النظر عن فرية أن حركة سياحية يمكن أن تنشأ حول تمثال وأن لا أحد يمتلك إعطاء توجيهات للسائحين حتى لو كانت حكومة فرنسا ذاتها فإن العينة كانت أكثر من بينة لكريم العينين.
ففي جولة الغضبان وباعتراف المحافظ بعد مغادرة منصبه أوضح أن المحافظة دفعت من ميزانيتها الحكومية مليون و٣٠٠ ألف جنيه تجهيزات لنصب التمثال قبل أن يصدر قرار سيادي بنقل التمثال لمتحف قناة السويس.
يعني ذلك ببساطة أن الفرنجة لم يدفعوا حتى هذه التكلفة البسيطة رغم أن الطلب طلبهم والصنم صنمهم.
ويعني أيضا أن المحافظة رغم أنه لا ولاية لها على التمثال الموجود بمخازن هيئة قناة السويس قد قررت من لدنها نصب التمثال بل وأنفقت هذا المبلغ بدون تردد.
من المشروع بالطبع والمال مال عام ان نسأل فيما أنفق هذا المبلغ الجزيل؟
هل هو ثمن الشدات المعدنية والخيش الذي أحيطت به القاعدة عدة أيام؟
هل تضمن المبلغ أجورا ما أو شراء مواد أو استضافة أحد؟
هذا كله يعكس جانبا من أوضاع يمكن اختزالها بأن هناك من يتصرف فيما لا يملك تصرف المالك وصاحب الصلاحية دون مقتضى من قانون وفي عدوان آثم على المصلحة الوطنية ولأسباب ودوافع مثيرة للريب والشبهات
ولعلنا نعيش استطالة لذات الحالة فيما يتعلق بأرض متحف بورسعيد القومي التي يتصرف فيها نفس الطرفين هيئة قناة السويس ومحافظة بورسعيد تصرف المالك بينما ليس لأي منهما ولاية على متر مربع واحد منها وبإدعاء كذوب بأن قرارا جمهوريا صدر بحرمان متحف بورسعيد من أرضه المملوكة له قانونا.
دائما كانت هيئة قناة السويس ومحافظة بورسعيد في الجانب الخطأ تملأهم الرغبة في نصب التمثال لولا أن تداركت الجهات السيادية الأمر وأوقفت الجريمة الشنعاء بحق مصر وسمعة بورسعيد التاريخية.
أتمنى أن تجرى تحقيقات سيادية وقضائية فيما يجري في موقفين هامين هما أرض متحف بورسعيد القومي ومبنى القبة وكلاهما يخص هيئة الآثار الأول ملكية والثاني إشرافا بحكم تسجيله ضمن قائمة الآثار الإسلامية.

هناك تعليقان (2):

  1. إلي الاخ والصديق الدكتور احمد الصاوي... نكتب ما هو موثق..
    ويردون بما هو مرتق

    ردحذف
  2. شكرا لكلماتك الداعمة

    ردحذف

نرحب دائما بتعليقاتكم