الجمعية المصرية التاريخية تعرب عن قلقها وتؤكد : ديليسبس مستعمر مقيت يرمز للاستغلال والاستعباد
بيان الجمعية المصرية للدراسات التاريخية
بشأن نقل تمثال ديليسبس
تابع
مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بقلق بالغ ما تتداوله وسائل التواصل
الاجتماعي بشأن نقل تمثال ديلسبس من متحف قناة السويس بمدينة الإسماعيلية إلى
مدينة بورسعيد الباسلة دون إعلان الغاية من هذا النقل؛ فإذا كان النقل مرتبطًا
بتنشيط السياحة، فإن وجود التمثال بأحد متاحف منطقة القناة يوفر الإتاحة له مع
غيره من المقتنيات الأثرية بالبيئة الحاضنة للمتحف، كما أن وجود التمثال بمتحف
قناة السويس بمدينة الإسماعيلية يعد- في حد ذاته- تكريمًا غير مبرر لصاحبه الذي
يرتبط اسمه بمشروع رأسمالي كولونيالي غير مسبوق، بعد أن استغل هو وجماعته ظروف
الدولة المصرية في أعقاب الحصار الذي فُرض عليها في أربعينيات القرن التاسع عشر؛
لتقزيمها، واستنزاف ثرواتها، ومن ثم حصل على امتيازٍ
لتنفيذ مشروعٍ لربط البحرين المتوسط والأحمر، لم يكن هو صاحب فكرته، ولا شركته هي أول من نفذه، وهو مشروع لا يختلف كثيرًا عن المشاريع
الكولونيالية التي نفذت في مصر- كمشروع خط سكك حديد الإسكندرية/ السويس- وغيرها من
أراضي الدول التي طالتها الرأسمالية الأوروبية في
تلك المرحلة.
وجاء
الامتياز ليؤسس لمنطقة امتياز فرنسية على قطعة غالية من أرض مصر، بعد أن تضمن
تنازل الحكومة المصرية دون مقابل عن جميع الأراضي اللازمة لتنفيذ المشروع، والأراضي
اللازمة لشق ترعة للمياه العذبة تمتد من النيل إلى موقع قناة السويس، ويحق للشركة تحصيل
مبالغ من الأهالي في حالة استخدامهم مياهها للري، كما أعطى الامتياز للشركة الحق
في استغلال مناجم ومحاجر المنطقة دون مقابل، وأعفى مبانيها من الرسوم، كما أعفى
الآلات والمعدات التي تستوردها من الخارج من الرسوم الجمركية، كذلك فرض على
الحكومة المصرية تكليف جميع موظفيها بمساعدة الشركة في أعمالها، وتوفير نسبة كبيرة
من العمال الذين تحتاجهم أعمال حفر القناة، وعندما حاولت الحكومة المصرية في عهد الخديو إسماعيل تغيير شروط الامتياز المجحفة تحملت مبالغ
طائلة بتحكيم ظالم، كان القاضي به نابليون الثالث ملك فرنسا، وظلت الشركة تدير
القناة، وتحقق أرباحًا طائلة من ورائها منذ اليوم الأول لافتتاحها، بل واستغلالها
في غير صالح مصر، والغدر بها، حتى في أحلك الظروف التي كانت تواجهها.
وبعد....
فديلسبس وغيره من دعاة المشاريع الكولونيالية ليسوا إلا رموزًا للاستغلال
والاستعباد، وإذا لم يكن هناك بدٌّ من تكريم تلك الرموز المقيتة، فلتكرمها
حكوماتها وشعوبها التي تربَّت على استنزاف ثروات وإمكانيات المناطق التي قاموا
بنهبٍ منظمٍ لثرواتها وخيراتها، ولا تستحق أن تُكرَّم في المناطق التي تعرضت للنهب
على أياديهم، ذلك النهب الذي خطط له ديلسبس وجماعته في مصر قبل أن تبدأ أعمال
الحفر بالقناة، وهذا ما اعترف به في رده على سؤال وجهه إليه مراسل صحيفة التايمز
اللندنية في 30 أكتوبر 1855م عندما ذهب إلى أن" الشركة ستأخذ من الحكومة
المصرية أكثر مما تعطي لها؛ لأن قيمة الأراضي الممنوحة لها تفوق قيمة رأس المال
الذي دفعه المساهمون".
لهذا
لا تتمسك الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بالإبقاء على تمثال ديلسبس بمتحف
قناة السويس بالإسماعيلية فحسب، بل ترى إقامة نصب تذكاري بمدينة بورسعيد للفلاحين
المصريين الذي هجروا قراهم عنوة للعمل في حفر القناة، ولم يُقدَّر لكثيرٍ منهم
العودة إلى قراهم، وإلى أسرهم التي طال انتظارها لهم، بعد أن قضوا نحبهم بين ضفتي
القناة، بعد أن ضنت شركة القناة عليهم بالكساء والغذاء وقبلهما بالماء.
رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية
أ.د أحمد الشربيني
أستاذ التاريخ الحديث
العميد الأسبق لكلية الآداب- جامعة القاهرة
ليست هناك تعليقات
نرحب دائما بتعليقاتكم