هل ما زال يمكننا الإستجابة للتحدي، وإدراك الفرصة الأخيرة
محمود عبد الحميد*
*أمين عام للمؤتمر الناصري العام
أما وإننا
أصبحنا نعرف الأن، أو أنه أصبح لا بد لنا أن نعرف على وجه اليقبن:
أن نكبة 48
وضياع فلسطين إنما كانت نتيجة قبل أن تكون سببا، وذلك في كل ما وصلنا إليه وما وصل
إليه حال أمتنا، وما يمكن أن يحيق بنا ويستمرفينا إن استمر هكذا تعاطينا وتعاملنا واستيعابنا
وطريقة تفكيرنا على نفس الطريقة وبذات المنوال .
أما كونها
نتيجة فلأنه قد سبقتها عقود وقرون طويلة من الجهل والتخلف والقعود والجمود
والهزيمة والهوان بعد انقطاع حضاري طويل، أضعنا فيه معالم حضارتنا وأخلاقها
وتخلينا فيه عن أسباب تقدمها وريادتها ونهوضها، لقد كنا قبل ذلك هناك وفي تاريخ
بعيد وقرابة قرن واحد من الزمان وخلال أقل من مائة عام، كانت قد امتدت حضارتنا
وتمددت بنا الحدود من نهرالسند شرقا حتى أسبانيا والمحيط الأطلسي غربا، ومن بحر
العرب جنوبا إلى حدود القسطنطينية وأرمينيا وجورجيا شمالا، وقدمنا للبشرية نموذجها
الفريد من حضارة إنسانية زاهرة شاملة في
كل شيء، دينا وتشريعا وقيم وأخلاق ولغة وثقافة، فكر وفلسفة، علوم وفنون، عدل وعلم
وتقدم وعزة ورفعة وازدهار في كل مناحي الحياة، حضارة صنعها ذلك الإنسان الذي كان
هنا على هذه الأرض، وإنما استوعبها جيدا فأدرك أسبابه فيها ونتائجها عليه، فخلق
وأبدع وأنتج وتفاعل بها ومعها مع كل الإنسانية أخذا وعطاءا وتطورا وتفاعلا ونماءا،
والحضارات لا تنهزم ولا تنتهى هكذا فجأة أو في معركة فاصلة، ومن بين أسس الحضارة
وتكوينها استمرار التنبه لذاتها وإذكاء عناصر تقدمها وتطورها واليقظة الدائمة في
التعامل مع أعدائها من ناحية، أوعناصرالضعف فيها ومكامن الخطورة على استمرارها
وتجلياتها من ناحية أخرى أهم وأوكد، وظل كل ذلك ممتدا طيلة ثلاثة قرون أخرى أو
يزيد، فالأمم لا تتغير أفكارها بين عشية أو ضحاها حيث يستمر إلى حين ذلك التراث من
العادات الفكرية والطرائق منسجما مع القيم الإجتماعية وطرق الإنتاج ومبادئ السياسة
والحكم، وحدة كاملة ومنظومة حضارية متكاملة، وما بين أواخر العصر الأموي ومطالع
العصر العباسي في القرنين الثاني والثالث كان ازدهارا غيرمسبوق أخذا وعطاءا،
وظللنا نقتطف من ثماره لما يقرب من قرنين آ خرين من الزمان، إلى أن كان الذبول
البطيئ متهاديا في أفول عبر ما تلا ذلك من قرون، إلى أن كان إغلاق أبواب الجهاد
والإجتهاد والإقتصاروالإكتفاء بالترديد والتلقين والإتباع ! وإن استمرت الحضارة
فإنما توقف ذلك الجانب الإبداعي الخلاق في الفكر والعلم والثقافة، فلم نعد نقدم من
بعد ذلك شيئا ولم نضف إلى الحضارة شيئا في القرون التالية، إلى أن جاءت العصور
البويهية ثم السلوجقية ومن بعدها المملوكية المغولية ثم العثمانية وما فرضته من
هيمنة وعزلة على إيقاع ثابت جامد لا يتغيرمن الترديد والتكرار، فلم يعد العقل
العربي أداة تحليل ونقد وخلق وإنما وسيلة لتوطيد الواقع وتجذيره وتكراره بدلا من
نقده وتجاوزه لما وراءه،
وكأنه كان قد توقف بنا الزمن أو توقفنا نحن عن
استيعابه أو قيادته ومجاراته ! فلم نجد بعد ذلك خلق علمي ما أو إنتاج إبداعي جديد
ولم تعد الجهود سوى جمع وتلخيص أو شروحات وتذييل أو إعادة تكراروتقديم ! حيث
استمرت المهمة في حفظ سيرة رجال الفكر والعلم السابقين بدلا من تطوير العلم والبحث
والفكر والتقدم فيه ! وأخذت القرون هكذا تتوالى فينا إلى أن أصبحنا على هذا العقم
الذي ما زلنا نعايشه ونعانيه، وتغلبت قيم التسليم عل ما دونها من قيم، وانتقل
الفكر السببي التعليلي من الأرض إلى السماء فأصبح التفكير في الماورائيات
والغيبيات أقرب وأسهل، وإبراز الجانب القدري في كل الفاعليات الحياتية على حساب
الإنسان وما أودع فيه من قدرات وإمكانيات وإرادة، وانحط الفكر الماورائى باسم
التقى وعمق الإيمان ليقبل بتعطل قانون الطبيعة بالكرامات والأولياء والأضرحة
والمعجزات وانتشرت أعمال السحر والتمائم والتعاويذ والخرافات والنبوءات والتنبوءات
وتقبل الأساطير، والتى تنسحب كذلك على المواقف السياسية والإجتماعية وعلى ألوان
الظلم والفساد والإستعباد المختلفة والمنتشرة في أرجاء البلاد، فإما تقبلها
والتعايش معها وإما انتظار ذلك المخلص المنقذ الفرد المنتظر ! أو قدرة منتقمة فوقية
غيبية انتصارا وإنابة عن العباد ! ومما يزيد من صعوبة الأمر وتعقيده واستعصاؤه
وتصويره وكأنما جزء من التكوين أو جانب من الهوية، تغليف كل ذلك التخلف بأشكال
وتشكيلات ومعان دينية تنتقي وتسيد في
العقلية العربية ما يرتبط مستمرا فيها ومتوارثا ذلك التوجه الغيبي الميتافيزيقي من
قيم إستسلامية بشعارات الطاعة والقناعة والفناء وعجز الإنسان والجبرية وسيطرة
القدر والمكتوب ! دون الإلتفات إلى ما دون ذلك من القيم والمعانى الإيجابية
السامية كمبادئ السعي والعمل والمسؤولية والعدل والجهاد والحرية والعلم والتقدم
والتطور والإستخلاف والإعمار ! واعتبار قدرة الإنسان ومسؤوليته المباشرة عن
خياراته وقراراته في حياته ومستقبله وأمته ورسالته، وتستمر كذلك هكذا قصة نظام
الحكم والسياسة في مختلف بلاد العرب طيلة عشرة قرون أو يزيد في تحالف مصلحي دائم وقائم بين نفس الأطراف الثلاثة أو الطبقات التى تخضع لهم الرعية باستمرار ( العسكر ولهم السلطة
والحكم والرئاسة، وكبار التجار والإقطاعيين والأعمال ولهم الثروة والأموال
والإستغلال ، وبينهما رجال الدين لإفراز وإبراز كل ما يمكن من قيم تخدر الرعية من
ناحية وتبرر حياة الطبقة الحاكمة وطبقة الأموال والإستغلال من جهة أخرى، فتنشر
أفكار القناعة والرضا والتسليم وطاعة أولى الأمر ورفع الدرجات والرزق وهكذا ودون
الإقتراب من قيم وأحكام ومعان أخرى اللهم إلا ما لم يكن فيه مساس بطرفي التحالف
الأخريين ومصالحهم وبقائهم واستمرارهم ) والمساواة في الظلم عدل ! فيبقى الحال على ما هو عليه من الظلم والإستبداد
والتبعية والسلطة الباطشة المطلقة والقهر بالقوة دائما !
أن يستمر كل
ذلك طيلة هذه القرون وإن تخللتها محاولات متعددة للتغيير والنهوض وإن لم تنجح وإن
لم تتمكن من الفكاك أو الإستمرار، فإن ذلك كله قد خلف بيئة راكدة جامدة جاهلة يدور في فلكها العقل العربي باستمرار،
يفكر بذات الطريقة وينتهج نفس الأساليب ويتوقع نتائج مختلفة، فيعيد إنتاج التخلف
نفسه في كل مرة دون تغيير أو تطوير أو تقدم يمكنه أن يبني عليه لإنجاز ذلك التغيير
الذي لا يأتي، والذى وإن آتى محاولا لا يمكنه أن يستمر، فنصبح فريسة سائغة سهلة
للتسلف أو التغريب وكلاهما اغتراب وهروب إما زماني بالإختباء في الماضي والتغنى به
والدعوة إليه والعيش بالتمني تحت أطلاله وفوق ذكراه ! وإما مكاني بالقفزتيها وتبعية
ونسخ ومسخ في غياهب الآخر مهما بعد واختلف وتناقض حتى وإن كان معاديا في أصله
وأساسه وفكره وتكوينه وغاياته !
ذلك أن كل
هذه السنوات والقرون على هذا الحال كانت قد تكفلت بتكوين عقل البيئة الجمعي
المجتمعي العربي الكبيروالذي يتزايد أثره وتأثيره باستمرار إلى أن أصبح مسيطرا على
العقل العربي وطريقة التفكير، فتتعطل أداة التحليل والتفكيروتتوقف معطوبة عاجزة لا
تستطيع الفكاك أو الخروج من هذة الدائرة وتلك الأغلال والقيود اللانهائية وتستخدم
نفس الأدوات والأدوار المختلة لجبر وإصلاح خلل إنما هو من صنعها مكررا ومعادا بذات
الطريقة وبنفس النتائج في كل مرة ! ويظل العقل العربي يدور في فلك هذه الساقية مستخرجا ما أمكنه من مياه راكدة من بحيرة آثنة
في بيئة جامدة ميته تنبت ذات الحشوات من
الجهل والتخلف والتكرار والتقليد محشورة في جوف الأجيال المتعاقبة ! فيصبح الوطن
على اتساعة زنزانة مظلمة ضيقة، فاخرة كانت
أم حقيرة، مقيدين داخلها بكل مشاعر وأفكار العجز والتى هى في نفس الوقت حججنا
الواهية وأعذارنا الدائمة بذلك العقل التبريري الذى يرى دائما أن السبب في كل
مشكلاته ومآساته هو الآخر! هو الغير فهو الإستعمار والمؤامرة ! حتى أن الشيطان
وحده هو السبب وهو المسؤول عن كل الأخطاء والمعاصي والذنوب ! وهكذا تستمر الحياة
دونما غاية أو إرادة أو فعل له أثر، وكأنه عيش ودوران عبثي دائم وإنما فقط للبحث
عن سد الجوع وإشباع الرغبات والشهوات والحفاظ على النوع !
ولهذا فنحن ومنذ
قرون إلا فيما قل وندر، نستبدل كل فرعون
بعد فشله وظلمه وتجبره بفرعون آخر جديد وهكذا ! كما يمكن أن نحاول
وبالتقليد أن نخلق في المقابل وكأنه البديل فرعون آخر صغير وإنما في صفوف المعارضة
! ونلتف من حوله ونختلف مع الآخرين من أجله، ونهتف له ونبرر كل كلماته وأفعاله
وخطاياه المتناقضة تحت ذرائع متعدده ! فنصبح جماعات ومجموعات وشلل وطوائف وقبائل
متناحرة ! ويمكن أن تلتقى زعامات العشائر والقبائل والشلل لتبادل الكلمات والتقاط
الصور! ولا مانع من بعض الكلمات والأحاديث والخطب عن أهمية الوحدة والتوحد والعمل!
فتخرج من بعد ذلك جماعة أخرى جديدة وهكذا! ونستبدل غايات أمتنا بغاياتنا الذاتية
دائما وهكذا، ونقيم الأحزاب بالمحاكاة ونؤسسها ونختلف وهكذا، ونعيد التأسيس
والتشكيل ونشارك (الأنظمة ) نظمها
وحواراتها وانتخاباتها ونختلف ! ونتوقع في
كل مرة أن تأتي مرة تختلف عن كل مرة فلا تختلف وإنما فنحن الذين نختلف ونزداد
اختلافا وترهلا وتشظيا وهكذا ! وقد يكون الظن إنما السبب الرئيسي هو في غياب السند
أيا كان والذي يمكنه أن يعوض ضعف الإمكانيات وضيق ذات اليد والتى لا بد لها من أجل
تعظيم الجهد فتستمر الحاجة دائما للتمويل فيكون سبب أكبر للإختلاف فنختلف، أو بعض
من التلون أو التنازل للإستحصال على التمويل فنختلف، وقد يتمكن البعض من استجلاب التمويل ولو
من جهات متعددة أو متناقضة أو معادية ومن بعدها يمكن أن يكون التبرير وأحيانا
الندم والإعتذار وفي كل الحالات نختلف ونختلف وهكذا وتضيع البوصلة وتتبدل الأولويات وتختلف المعارك وتتقزم
الجبهات ! وتبتعد الجماهير ويتباعد الأنصار ويضعف الأتباع وتشيب الرؤوس ولاتتجدد
الدماء في التيار وقد يحدث فيما يندر أن يأتي الإعتذارمتأخرا، لكنه يكون قد ضاق
جدا مجرى التيار ! دائرة لا نهائية ومتكررة بذات النتائج وأسوأ، ونكررها توقعا
لنتائج مختلفة في كل مرة وهكذا ونكررونعيد بينما لم تأت السوابق كلها في تاريخنا
بنتائج يمكن أن نحاكيها ولم يحدث يوما تداول للسلطة بمثل هكذا أحزاب أوعن هكذا
طريق في بلادنا، وإنما هى ربما مساحة ما ممكنة مرسومة مصنوعة مخصصة لمثل هكذا
تفكير وربما توزيع للأدوار وأحيانا على أحسن الأحوال يمكن أن يكون ذلك بغيراتفاق !
أوهى مساحات للوجاهة السياسية أوالإجتماعية وتضخم الذوات أوالإنحشاربالتبعية أملا
في بعض المصالح وقبول بالفتات ! أو هي مساحات للحناجر بالتغني والتمني في بعض
أوقات الفراغ ! وعلى كل حال وفي معظم الأحوال ( خليهم يتسلوا ) ! أو للإبقاء على
صورة شكلية ديكورية مسرحية أو لزوما للتنفيس عن الناس عن ضغوطاتهم المعيشية
اليومية ومداعبة الأحلام وتسييد الأوهام بالصبر والإنتظار !
وإنما لا
بأس، قد يكون هذا هو الواقع عابثا غالبا، لكن هذه بالتأكيد ليست فطرة، ولسنا بخلق
مختلف ولا هذه طبيعته أو تكوينه مختلفا عن دونه من العقول البشرية، فكله خلق واحد
ونبت واحد من نفس الطين، وإنما ( العقل المجتمعي ) هو من خلق بيئته وما اعتادت
عليه وما تعيش فيه، والعقل هو أداة التفكير فحين استخدامه بنفس تكوينه المتراكم
وحشواته التى شكلتها وأزحمتها وقيدتها بيئته فإنه يفكر بنفس الطريقة، يفكر به ولا
يفكر فيه، ويستخدمه كما هو على حاله ووباله في التحليل والتفكير المتكرر والمتداول
والمنقول ! وإنما لا يسائله ولا يحاوره ويراجعه كيف يفكر ومن أين امتلأ بكل هذه
الأمراض وبكل تلك الخرافات وكل هذا التخلف المستديم، إنما هو يسايره ويتبعه فهو
يتبع نفس البيئة التى شكلته بينما هو يريد تغييرها ! ولا يمكن أن يمكنه ذلك طالما
يفكر بنفس الطريقة وذات العلة التى أنتجته مقيدا بكل سلاسلها خلف قضبانها منذ
نشأته وخلال مختلف مراحله منذ أن يولد طفلا بقيود متغلغلة متعددة سابقة الإعداد
والتجهيز وهكذا تصاحبه في مختلف مراحله وحتى نهايته والقبول والرضوخ للعجز والفشل والإستسلام
حتى المشيب أو المغيب أو التغييب !
إن التعمق
في تفهم هذا الأمر وهكذا حال ليس معقدا ولا مستعصيا على الهضم والإستيعاب، شريطة
التفكير والمراجعة والإعتراف والإقرار، إن مصاب العقل العربي كبيرجدا وعميق، وأن
الخلل والجهل والتخلف قد أصاب وأعطب طريقة التفكير، وأن هذا يضعف الإرادة أو
يعدمها، ويقزم الأهداف والغايات الطبيعية المشروعة أو يحيلها مستحيلة ! كما أن
التصدي لكل ذلك والتوقف أمامه وإيقافه وتغييره ليس نظريا أو مثاليا بحيث لا يمكن
تحققه، وربما فقط مكمنه في اعتبار العقل وقدرته على التفكير، ومقاطعة عقل البيئة
المجتمعي الراكد الجامد المتخلف، بل والقطيعة معه وإعدام أثره وتأثيره، والخروج من
كل شكل من أشكال الدوران الأعمى والتواصل والتعاطى مع مفردات وأدوات تلك الساقية
الدائرة في ذلك البئر العفن الآثن العميق السحيق ومن ثم وبالتوازي تشييد البناء
الجديد وموالاته ومراعاته بالوعي والفكر والحواروبالعدل والعلم والإنتاج والخلق والإبداع،
بديلا عن هذا السير العقيم مكبلا بكل القيود والأغلال خلف القطيع، والتكرارحتى الإدمان
واستمراراتباع الأتباع .
وتلخيصا
وتطبيقا فإنه وعلى سبيل المثال لا الحصر :
فإن إبراهيم
عليه السلام وكان أبوه آزر بنفسه هو الذي يصنع الأصنام، والبيئة كلها على دين
ملوكها والناس على دين أبائهم وثنية، تعبد تلك الأصنام التى صنعوها بأيديهم
وخلقوها في عقولهم مكونا ومشكلا ومتأثرا بعقل البيئة المسيطر والمتحكم والمقيد
لعقولهم فيفكرون به ويتبعونه ولم يفكروا أنه ربما معتل معطوب متوارث، لكن إبراهيم
ولم يكن بعد نبيا لم يستخدم طريقتهم في التفكير، ولم يفكربعقله الموروث الذى هو
عقل البيئة الجمعي المجتمعي المتوارث، وإنما راح يفكر ويبحث ويتأمل، فيفكرفي أداته
للتفكيرأولا ومسبقا سقيمة كانت أم سليمة ويتناول عقله كيف يفكر، فيفكر فيه قبل أن
يفكربه فأنتج مهتديا مبدعا نتاجا مختلفا ولم يتبع القطيع وإنما خلق مسارا عاقلا
ممكنا مختلفا .
واستخدام
العقل كأداة للتفكير بهكذا طريقة ليست مزية خاصة حصرية للأنبياء والمرسلين، فهذا
فلاح عربي مصري بسيط في القرن الواحد والعشرين، لاعب كروي قروي صغير، نبت ونشأ في
ظروف صعبة، في قرية مصرية مغمورة مقهورة كما القطيع رفض أن يفكرمثلهم بالفقر
والقهر والعجز والمستحيل واختار لنفسه غاية واختط لنفسه طريقا تمسك به وتمكن
بارادته وطريقته في التفكير أن يقهر ذلك المستحيل فيصنع ويخلق ويبدع المستحيل، فيكون
الأول في مجاله حديث العالم من حوله، وحين يخاطب بيئته ( المينتالتى ) ويخاطب عقله
المجتمعي الراكد الجامد الساكن المتخلف والذي تمكن أن يفلت من قيوده وسيطرته محاولا
وملهما ومحفزا، فكيف كان ولايزال التناول ! وما دلالات ذلك في تأكيد اختلالات
واختلافات طريقة التفكير وتأثير عقل البيئة الجمعي المجتمعي والإنصياع له وتقليده
وتكراره أو قابلية وتصديق إمكانية الإنفلات منه والخروج عليه، وربما هذا المثال
والنموذج الأشهر الذي يشغل هكذا بيئة في ظرفها وحالها في مثل هكذا مرحلة ! وإنما
يا كم من نماذج أخرى في مجالات متعددة أخرى وإن لم يعلم الناس عنهم شيء أو لا يشغل
ذلك نفس القدر من اهتماماتهم في هذه المرحلة وهذا الزمان، فهذا طبيب عربي مصري
مسيحي هو الأمهر والأبرع والأجدر والأرحم والأكثر إنسانية وتواضعا بكل علمه
وتفوقه، وكم من عالم عربي تم اغتياله وكم من عالم وعامل وصانع ومبدع وخالق لم نعلم
عنهم شيئا أو لايمثلون لنا شيئا في مجالات اهتماماتنا في مثل هكذا حال كحال حياتنا
في هذا الحال من الجهل والتخلف والدونية والهزيمة والتبعية والضياع !
عرب كل
أولئك ينتمون إلى نفس حضارتنا وإنما موصلون بها وبقيمها منذ مراحل عزها ومجدها،
وإنما استطاعوا بعقولهم وإرادتهم وطريقة التفكير أن يتوصلوا لطريقة للتواصل معها،
وأن يقاطعوا ويقطعوا ويعزلوا أنفسهم عن كل أسباب وظواهر ومظاهر وتأثيرات التخلف
والإنقطاع الحضاري وما أنتجه في عقل البيئة من جهل وعجز وتخلف، حاربوه وانتصروا عليه
وقاطعوه في عقولهم ورفضوا أن يهيمن عليهم أو يعيشوا فيه أو أن يفكروا به .
فقلما مر
علي البشرية قائد مثلما كان القائد يحيى السنوار وبعد كل هذه السنوات من الإحتلال
والإختلال والإبادة والحصار جاء من بعيد ليبدع من جديد، ويخلق ويطبع هكذا صورة ذهنية
متفردة فريدة على كل جدران العالم ( المتحضر) هذا وباختصار قائد لقادة وجنود عرب
أقحاح أصلاء من زمن الحضارة العربية، إمتداد موصول لا مقطوع والذي لربما ينتمي
لزمن الصحابة الخالدين .
كما أن
القائد الشهيد محمد الضيف لم يكن يحلم، لم يكن يتمنى أو يتوهم، لم يكن يخطب أو يهذي
أو يتكلم مندفعا متحمسا ليلهب الحماسة في صفوف المقاتلين المقاومين، وإنما كان
يؤمن ويصدق ويخطط لينفذ ما يفكر فيه ويؤمن به، وهوعلى النقيض تماما من كل من خنع
له واستسلم له عقل كل البيئة العربية الجمعية المجتمعية المحيطة من حوله على حالها
البائس العاجز الخانع الجاهل التابع الذليل، تلك طريقة تفكير أخرى مختلفة، فكان
إنتاجها وخلقها وإبداعها مختلفا معجزا منتصرا إجمالا وتفصيلا على أعتى ما امتلكته
الحضارة الهمجية البربرية من وحشية وانحطاط وجبروت .
( يمكننا أن
نحقق المستحيل .. يمكننا أن نغير مجرى التاريخ ..) وللتاريخ بقية لم تأت بعد .
على كل حال فإذا كان يمكننا ألا نختلف حتى
حول رؤيتنا للتاريخ، أو المرور على قرائته ولو قراءة عابرة، فإنه على أثرهذا الإنقطاع
الحضاري الطويل وما نجم عنه من جهل وتخلف وضعف وتفكك لايتم الإعتراف به ولا التنبه
له ولا إدراك سبل الخروج منه واستعادة البناء الحضاري مجددا فإن أمتنا مجتمعة على
حالها من التخلف كانت جاهزة ومنتظرة ومستعده تماما ولديها تلك القابلية للإستعمار واستقبال
حضارة أخرى ومشروع آخر معادى من حيث نشأته وفلسفة قيامه ووجوده، حيث يمكنه بالقتل
والإستعمار والإستغلال أن يستوفي حاجاته من الثروة والطاقة اللازمة لاستمراره
وتقدمه على حساب تلك الأمة التى تملكها ولا تحسن استغلالها ولا تمتلك ذهنيا وذاتيا
وواقعيا قدرة الدفاع عنها ! وأن يقوم على استغلال منتج ومقومات هذه الحضارة التى
انقطع عنها أهلها وأصحابها من ناحية، وأن يمنع عنها قدرة أو إمكانية استغلالها أو
استعادتها مرة أخرى، ليس هذا فحسب وإنما لضمانة ألا تعود حضارتنا مجددا أبدا لما
كانت عليه فكان الإستعمار الذي ضرب المنطقة كلها شيئا فشيئا وجزء يتلوه الآخر إلى
أن شمل الوطن فاستعمره كله ثم قسمه كله، ولا يكتفى ولماذا يتوقف ومن الذى يمكن أن
يوقفه ! ويواصل ويتقدم ويتحكم، ومن الذى يمكن أن يحاكمه ! ويذهب لما هو أبعد من
ذلك لضمان مستقبله الإستعماري البعيد أيضا، ولهذا فحينها تكون النكبة
والإستعمارالإستيطاني لفلسطين لتحقيق أهداف الإستعمارالبعيدة باستمرار حضارته دائما
منتصرة مهيمنة بمنع وحدة هذة الأمة الضعيفة يوما أبدا، ومنع تقدمها مطلقا ومنع
وصول العلم والتقدم والتكنولوجيا إليها لتظل دائما ضعيفة عاجزة تابعة، وكل هذا ما
سوف تتكفل به الصهيونية دائما التى
استرطنوها فلسطين في القلب من الوطن تتغلغل في كل الأجزاء والمكونات والأدمغة مدعومة
بكل الصور والأشكال والسبل من كل المنظومة الإستعمارية المعادية والتى لا يمكن أن تتخلى عنها يوما .
ولم يتخلى
الله عنا ! ولا أراد أن يعذبنا أو يعاقبنا ! ولا أراد أن يكافئ المستعمرين
المستغلين القتلة ! وكانت قد اختتمت الرسالات وانقطع الوحي وأصبح الإنسان مسؤولا
مكلفا مستخلفا بالسعي بالعقل والعلم والعدل والإعمار وأن ( ليس للإنسان إلا ما سعى
) ولم يرد الله بعد، أن تتعطل قوانين التاريخ والطبيعة والسببية ! وإنما وفي واحدة
من دورات التاريخ غادر هذا الإنسان في هذه الأمة تاريخه وتآمرعلى نفسه وعطل
القوانين وأوقف عقله وأعطب تفكيره وأعجز إرادته واكتفى مشاهدا متباكيا عاجزا ينتظر
حكمة القدر ! ومازال ينتظر !
فإنما وهكذا
كانت نكبة 48 وضياع فلسطين نتيجة لكل ما
كان قد سبق قبلها وسببا في الوقت ذاته لكل ما كان ويكون بعدها من نكبات ونكبات،
ويستمر توالى النكبات على أمتنا هكذا سببا ونتيجة طالما لم نعرف جوهر الأسباب فينا
ولا نوقف تداعي النتائج علينا .
ومن فلسطين نفسها
ومن قلب حصار الفالوجا يبدأ ( جمال عبد الناصر ) هذا الضابط الصغيرمن صعيد مصرالعربية،
تلك المسيرة الإستثنائية المؤمنة الواعية في محاولة بنائية مخلصة فريدة تبدت
وتكشفت وكبرت واكتملت شيئا فشيئا وعبر المعارك كلها معا وبوعي وإرادة وقدرة إدراة
الصراع شاملا في محاولة متكاملة جادة غير
مسبوقة لإستعادة وجود هذه الأمة ومشروعها ورسالتها وحضارتها، وبإدراك الواقع
والوقائع والمواقع وجوهر الصراع وحقيقة وطبيعة وخطة المشروع الإستعماري المعادي
لوجود أمتنا ومن قلب المعركة وفي الصفوف الأولى للجبهة يستخرج القوانين والحقائق
ويجيب الأسئلة الحائرة والمؤجلة ( إن
تحرير فلسطين يبدأ من القاهرة ) وتلك حقيقة باتت مؤكدة ثابته وتثبتها كل يوم كل
المواقف والأحداث وتداعياتها المتلاحقة، فالتحرير والتحررواستعادة المضي في
مشروعنا إنما ولا بد أن يبدأ كل ذلك من
القاهرة . ففي يوليو 52 يبدأ المشروع بتحريرالقاهرة ويستمرالبناء عليه وتعاظمه يوم بعد يوم في مختلف المعارك وعلى كل
الجبهات مستخرجا طاقات هذه الأمة وقدرة وإرادة وإمكانات شعبها، وتوقه ساعيا إلى
الحرية والتقدم والوحدة والنهوض مجددا، وفي فترة قصيرة وجيزة من عمر الزمن، كبيرة
عظيمة التأثير والأثر يرسي عبد الناصر دعائم هذا المشروع وأسسه كاملا .
وحيث
المعارك كلها مستعرة واقتراب معركة التحرير وكل الجبهات مشتعلة على طريق الحرية
والإشتراكية والوحدة، وإذ المشروع يتصدر المشهد كاملا وتلتف من حوله الجماهير، يغيب
عبد الناصر في سبتمبر 70 وتودعه الملايين في ذلك المشهد الإستثنائي المهيب وكأنها
تدرك بفطرتها إنها ربما تودع مشروعها المشروع وهذه المحاولة الكبرى لاستعادة
وجودها وبناء حضارتها .
وسرعان ما
توالت النكبات على أمتنا ففي مايو 71 كانت قد بدأت الردة والثورة المضادة مبكرا
جدا في في ظل غيبة (النخبة) أوخيبتها الكبرى !
ومثلما كانت
إستعادة مصر هى أولى الدعائم والركائز عند عبد الناصر في مشروعنا، فإن استبعاد مصر
وإضعافها وتهميشها وتقزيمها وتغييبها وتخييبها وإخراجها نهائيا من المعادلة كانت
كذلك هى الخطوة الأولى والأكبر والأهم وركيزة المشروع الإستعماري المعادي، فكانت
كامب ديفيد وما تبعها من هدم متداع متسارع لكل دعائم وركائز وثوابت مشروعنا على كل
المستويات!
ويجري
استكمال المخطط معلنا ومصرحا به ويمضي على الأرض فينا بينما نحن شهود وقعود !
فتسقط بغداد وبالتدخل العسكري المباشر من جديد،ويجري تقسيم العراق ! ويتتابع
المخطط علنا أمام أعيننا وبأيدينا بالفوضى الخلاقة نحو المزيد من تفتيت وتفكيك
الأمة وتتساقط العواصم العربية تباعا في ليبيا والسودان واليمن ولبنان، ولن يكون
تسليم وتقسيم سوريا هو النكبة الأخيرة !
بكل التاريخ
وبكل الأدلة والبراهين وبكل اليقين فإن مشروع تقسيم وطننا منذ بدأ وحيث تنفذ فينا
وبنا، ثم والأن ونحن نعاصر ونعايش ونتجرع صاغرين عاجزين إعادة التقسيم والتقزيم
وإسقاط الدول من بعد ربيع كنا نتمناه عربيا، وأمام ملحمة طوفان الأقصى الأسطورية
كاستدعاء أكيد لمشروعنا وربما فرصتنا
الأخيرة، ما لم نلحق به فسوف يعصف بنا .
فكيف انتفضت
كل قوى الإستعمارالمعادية بكل صورها وأشكالها المتغيرة والمتجددة، بل وتعاود
الظهور والسفور بصورتها الإستعمارية التقليدية المباشرة الفاضحة وفي الذيل منها
وفي الواجهة يتبجح معها كل أتباعها الأذلاء في مواجهة أمتنا ومشروعنا في محاولة فاضحة كاملة للإجهاز النهائي عليها وعلى أي ما يمكن أن يكون مازال حيا باقيا، وعلى
فكرة وطريق ومحاولة التجرأ على سلوك سبيل المقاومة، وعلى أى إمكانية لاستعادة هذه
الأمة لمشروعها ووجودها ، دون أن تبدى هذة الأمة إلا فيما ندرعلى المستوى الشعبي
وشمول كل الأنظمة وكل أنواع وأشكال النخبة البائسة العاجزة الخاسرة ! أي قدرة حقيقية أو رغبة صادقة ودون أن تهتدي أو
تتنادى لأي فعل جاد ومؤثر في مواجهة ما يتهدد مصيرها ووجودها وهى في أمحق وأحدق خطر ممكن ويتعرض جزء أصيل من شعبها للإبادة
الجماعية بينما هى بكل أطيافها ومكوناتها
تائهة ضائعة لا تعرف سبيلا للمواجهة ولا ترسم ولا تخط ولا تبدأ طريق تنجو به ولو بعد
حين، ربما بناء جديد أكيد!
لايمكن
للإستعمار أن يتمكن من بسط سيطرته واستمرار هيمنته إلا على الأمم الضعيفة المتخلفة التابعة أو الدول الجاهلة الفاشلة
القابلة لذلك، ولا يمكن للمؤامرة أن تنجح أوأن تستمر إلا إن كانت مؤامرة يشارك
فيها الجاهل بنفسه على نفسه ! ولسوف يستمر
توالى النكبات هكذا سببا ونتيجة طالما ما زال يتعذر علي البعض مثلا أن يرى أنه في
سوريا الأن نكبة جديدة أكيدة ! وأنها لن تكون الأخيرة من بعد النكبات المتواصلة
المتوالية، وقد يصعب علينا التصديق أننا ما زلنا ننتظر نكبات أخرى وسقوط آخر وشيك،
طالما يظل مشروع هذه الأمة الناصري الحضاري غائبا عن الفعل والوجود وإدارة الصراع،
فلم نعد بحاجة إلى جدال أو إثبات أن الناصرية ما زالت هى مشروع هذه الأمة، وأن كل
ما يمرعلى هذه الأمة من أحداث وعثرات وصعاب ومصائب ونكبات، وأن كل ما أنجزته
المقاومة من عواصف وعواطف بصمودها وانتصاراتها على الأرض رغم عظم التضحيات منذ
انطلاقة الطوفان، فإن كل ذلك مثل ومازال يمثل لمن يرى أو يريد، إستدعاء أكيد ووحيد
ولربما الأخير للناصرية وحاجة أمتنا واحتياجها الوجودي للمشروع الحضاري العربي
الناصري .
وهنا لا بد
أن يأتي السؤال ويصر ولابد أن يبقى ويستمر، هل الناصريون الأن وعلى هذا الحال الذي
طال مازال يمكنهم أن يكونوا هم جنود وقادة وأدوات هذا المشروع ؟!
فيا أخي يا
أيها الناصري
هل يتسع صدرك لبعض
التساؤلات، على أن تتبعها بمزيد من الأسئلة ؟
ماذا أصبح يعنى أن تكون ناصريا الأن ؟
ما الذى يتوجب عليك فعله كونك ناصري ؟
ما هى المهام والمسؤوليات التى تلقيها
الناصرية عليك الأن ؟
وهل أنت قادر عليها، أهل لها، أو ما
الذى يعوقك أو يمنعك ؟!
وفيما تختلف فيه عن غيرك من الناصريين
أو من دون الناصريين ؟
ماالذي تهدف إليه، هدفك النهائي، ماهى
الرسالة والغاية النهائية ؟ وكيف الوصول إليها ؟
وما هى الأهداف المرحلية على الطريق ؟
وما الهدف في كل مرحلة منها ؟
ما هو هدفك الأن تحديدا، هذه المرحلة
كيف تراها وتقرأها وتفهمها ؟ وهل تختلف هذه القراءة وهذا الفهم عن غيره من
القراءات والمفاهيم وفيم الإختلاف ؟
أين تكمن نقاط الإلتقاء والإفتراق ؟ كيف
تفرزها وتحددها ؟ أين ومع من تلتقى وفي أي مرحلة
يمكنك أن تفترق أو تتقاطع أو تقاطع ؟
ماذا أنجزت ؟ وأي من المراحل والأشواط
قد قطعت وتجاوزت وصولا لمرحلة ثم مراحل أخرى ؟ وكيف تقيمها ؟ فيما أصبت وفيما
أخطأت ؟
ما هو الحصاد ؟ ما هى النتائج ؟ أي منها
ما يمكن البناء عليه وتطويره وتعظيمه ؟ أو أنك بحاجة للبدء من جديد ؟ وفيما كان
القصور ؟
هل من إجابات ممكنة حاسمة قاطعة ؟ كيف أمكنك أو يمكنك الوصول إليها ؟ وهل
هى نتاج اجتهاد فردي او جهد جماعي ام هي محل اتفاق جامع ؟ وهل ما يوصلك إليها
ويجمعك بها جماعة ما واحدة تنتمى إليها أم مجموعات ربما متعددة ؟ فيما تتفقون
وفيما تختلفون ؟
هل هو اختلاف من حيث النشأة والتكوين ؟
فيما استمر وأين انقطع ؟ أين تلاقى وفيما تقاطع أو تناقض ؟ علاما تتفقون وفيما
تختلفون ؟ وحول ماذا أو حول من ! تلتفون
أو تفترقون ؟
هل من خلاف ما في الرؤى والمفاهيم أم في
القراءة والتحليل ؟ هل من اختلاف حول الأهداف والغايات ؟ هل من تناقض في السبل
والوسائل والأساليب ؟
من أو ما السبب الموضوعي أو الشخصي أو
النفسي في أن تقترب من جماعة ما دون غيرها،أو أن تبتعد عن أخرى ؟ وما هى الفائدة
في أن تستمروا فرق وجماعات ؟!وهل يصل الأمر إلى حد التباعد أو التناقض أو الصراع
أم يتوقف عند حدود المناكفة أو المنافسة وإثبات وانتصار الذات ؟
وفي كل الأحوال وأيا كان نوع الإرتباطات
فماذا أفرز ذلك وأنتج على مختلف المستويات الفكرية كانت أو الثورية، جماهيرية أو
سياسية وكذلك على مستوى الأمراض التنظيمية وأمراض الذات ؟ وإلى أي حد كان تأثير
ذلك الجانب الشخصي الذاتي أو النفسي ؟ هل كان جامعا أو مفرقا مبعدا ؟ دافعا أو
معطلا ؟ ملتقيا محققا للأهداف العامة أو منحرفا منحازا لشخصه وإسمه وتاريخه وتاريخ
جماعته والأصدقاء وتضخم الذات ؟!
وهل شريطة فاعليتك وانتماؤك الناصري هي
جماعة ما أو أصدقاء أو قيادة ما ؟ وهل تفقد ناصريتك أو تفتقد فاعليتك إذ تفككت هذه
الجماعة أو ضعفت وذبلت أو توارت أو غاب القائد أو تقاعد لأي سبب ما ؟!
إلى أي حد وبأي قدرأسهمت هذه الظاهرة دائما
في التعويق والتفريق والتشرذم وهل من سبيل وكيف ومتى يمكن تجاوزها أواستيعابها وتخطيها والعبورمن
فوقها ؟
وعفوا ثم عفوا، هل ما زلت تجد نفسك
ملزما برفع صورة عبد الناصر دائما للتعبير والتأكيد عن كونك ناصري أو أن تزج بإسمه
في كل موقف أو خطاب ؟ وهل أنت مطالب ملزما دائما لأن تنبري للدفاع عنه ضد أي طرف
كان وتخوض الجدال والمعارك الكلامية وفي أي ظرف وفي أي وقت وفي كل حال ؟ وهل أنت
مضطر مندفعا مدفوع ملزم باجترار مآثره ومكارمه وبطولاته وترديد مقولاته وذكرياته
دائما وفي أي وقت وفي كل مناسبة عامة أو خاصة أو موسمية ؟ وهل هذه هى طريقة إجاباتك
للأسئلة والمعضلات واستجاباتك للتحديات ؟! فهل أنت ناصري جدا كونك تحب عبد الناصر
جدا وترفع صورته دائما وتدافع عنه وعن كل تاريخه العظيم ومعاركه المصيرية، وتمارس
كل هذا دائما وأنت متحمس جدا ويشعرك كل هذا بالإنتصارأحيانا على كل الخصوم
والأعداء ؟ وبأنك أديت ما عليك وأمكنك هكذا أن تبقي عبد الناصر حيا لا يموت ؟!
وهل كان عبد الناصر سلفيا ماضويا من حيث
العقل وطريقة التفكير ؟ أم كان مفكرا نقديا وقائدا متطورا حازما ومرنا ينظر ويفكر
ويعمل للمستقبل وللأمام ولأعلى ودائما وباستمرار، وكان مفكرا وقائدا وزعيما كونه
تجاوز طريقة تفكير البيئة العقلية المجتمعية وخلق من المستحيل ما يمكن أن يكون
ممكنا، ألم يقال عنه أنه كان قد جاء في غير أوانه أو أنه قد سبق وتجاوز العصر في
حينه ؟
وهل تمسك بصيغة ما لم يفكر في تغييرها
أو تطويرها من مرحلة تلو الأخرى ؟ هل توقف به الزمن عند مرحلة تنظيم الضباط
الأحرار ؟ أو عند جبهة التحرير أو الإتحاد الإشتراكي ومنظمة الشباب وطليعة
الإشتراكيين ؟ ألم يذهب بعد فشل تجربة الوحدة والهزيمة بالإنفصال
إلى إبداع صيغة التنظيم القومي وتأسيس (
الطليعة العربية ) كإبداع تنظيمي ممكن وأخير في الصراع المستمر المرير مع التجزئة
والإقليمية المتجذرة والمدعومة من الرجعية ومن الإستعمار ؟
فماذا يعنى بعد كل ذلك أن تكون ناصريا
وما الذى تتطلبه منك أو توجبه عليك الناصرية ؟
ثم وما هى الناصرية التى يجب أن نقدمها
بديلا ورؤية ومشروعا لمستقبل أمتنا ؟
وهل ما زالت الناصرية هى نظرية الثورة
العربية والتغيير ؟
هل نحن أمام ناصرية واحدة، حال وجود عبد
الناصر وبعد غيابه منذ سبتمبر 1970؟ وحتى الأن ؟ ألم يكن وجود عبد الناصر في قلب
التجربة زعيما قوميا وعلى رأس الدولة المصرية
قاعدة وقيادة عربية ، يخوض المعارك والصراعات في اتجاه المشروع يغني عن
الكثير من الأسئلة ويمثل بأفكاره وخطاباته وقيادته إجابات كبيرة كثيرة كافية ؟
وألم يمثل غيابه واشعال واستعار الحرب عليه وعلى تجربته وعلى المشروع كاملا الحاجة
الملحة والضرورية والماسة لاستخراج كل الأسئلة وإبداع كل الإجابات ؟ وهل مازال
يمكن اعتبار أن فلسفة الثورة والميثاق وبيان 30 مارس وخطب عبد الناصر ومواقفه
ومقابلاته وتصريحاته ومعاركه ومواجهاته، فهل يمكن اعتبار أن يكون ذلك كافيا
لتقديمه الأن للواقع وللشباب والجماهير كرؤية كاملة وكافية إجابة للتحديات وإدراة
للصراع وتبشيرا وبناءا للمستقبل ؟ وهل يمكن من بعد ذلك أن تمثل ( الوثيقة الفكرية
الناصرية ) والتي أبدعها ( المؤتمر الناصري العام ) كأول وآخر محاولة حتى الأن لعمل جماعي ناصري
جامع وشامل لمعظم الناصريين من مصر ومن معظم الساحات العربية، وإنما كان ذلك لما
يقرب من عشرين عاما مضت اشتملت على متغيرات محلية وإقليمية ودولية هائلة، وتغيرات
بنيوية فكرية وحركية كبيرة، فهل يمكن اعتبار ذلك كافيا أيضا ؟
وإلا فما هى الناصرية التى يمكن أن
نقدمها للناس وللشباب والأمة والجماهير والتى تمثل لهم بديلا كاملا مقنعا تلتف من
حوله وتبني وتقاتل به أملا في المستقبل والتغيير ؟
فأين يمكن أن نجدها أو كيف يمكن أن
نجمعها؟ أين يمكن أن نقرأها ونتبادلها
وننقلها ونبشر بها ونبنى عليها ونضم الكوادر إليها وتلتف الجماهير من حولها ؟
وهل من قراءة وتحليل، أو إضافة أو تحديث
أو تغيير، بعد كل هذه المتغيرات والتحولات الكبرى فى العالم وفى المنطقة وفى الإقليم
وفى ربوع كل أنحاء الوطن، بدءا من إنقلاب السادات وقيادة الثورة المضادة، وتفكيك
وتغيير الخريطة السياسية والإقتصادية والإجتماعية عبر الإنفتاح والمنابر ثم
الأحزاب، ثم إخراج مصر وتقزيمها عبر كامب ديفيد وما تبعها، ثم الحرب العراقية
الإيرانية، وغزو الكويت، وسقوط بغداد وتقسيم العراق، ثم الربيع المتنازع عليه
عربيا وعبريا! وما تلاه من سقوط وتقسيم، انتهاءا بطوفان الأقصى وتبعاته المزلزلة
على كل المستويات، وتداعياته التي اضطرت أمريكا أن تسفر عن وجهها الإستعماري
القبيح في أن تعلن عن نيتها أن تقود
بنفسها إحتلال غزة كاملة وتهجير أهلها وأهل الضفة وعموم أبناء فلسطين إنفاذا لمشروع
إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الجديد ! وما زالت الأطماع الإستعمارية مع الصنيعة
الهجينة الصهيونية قائمة متقدة على سيناء
وعلى قناة السويس لم تنسى يوما كيف أدار عبد الناصر الصراع وانتصرفي معركة قناة السويس وكيف استعادها وحررها وأممها وأذل
الصهيونية وقوى الإستعمار والرجعية العميلة قاطبة . فكيف قرأت الناصرية كل ذلك وكيف
أمكن الناصريين استيعابه والتعامل معه وأبعاده وكيف أمكنهم أو يمكنهم مواجهته ؟
وما هى مفاعيل كل ذلك فى الحركة الناصرية والناصريين؟ وإلى أين إنتهى أو يمكن أن
ينتهى بهم الأمر؟ وكيف عصفت بهم كل هذه الأحداث؟ وإلى أين أوصلتهم تباعا وعلى أى
حال أصبحوا ؟ وماذا يمتلكون وماذا يقدمون من فعل جامع نابع من رؤية واحدة واضحة
وأي خطاب وأي شعار وأي تعبير وممن وإلى أين يصل وهل من صدى ؟
ماهى إجابات واستجابات التحديات
والأسئلة من بعد غياب عبد الناصر منذ مايزيد عن نصف القرن وإلى الأن وماهى رؤيتنا
لصورة الغد وأي مستقبل ذلك الذي نراه ينتظرنا وأمتنا ؟
وأين هى تلك الرؤية ؟ وهل يبقى كافيا أن
تبقى في الضمائر والنفوس والرؤوس التي اعتلاها المشيب وليست خالدة، أو أنه يمكننا
أن نراها مسطورة مكتوبة ونعايشها فكر وحركة وتيار وسلوك وممارسة ؟ وهل في شيئ من
ذلك ما يمكن أن يمثل جهد خارق معجز أو مستحيل لا يمكننا إنجازه للأمة وللأجيال ؟!
ألم نكن ومازلنا نحظى ونملك من الخبرات والتجارب ومن القيادات والمقدمات والمقومات
والكفاءات عامة والفكرية خاصة ما يمكننا من إنجاز هكذا مهمة وإدراك أن لها الأن كل
الأولوية ومطلقها، بأن تجمعنا قراءة واحدة وتحليل جامع مانع ورؤية فكرية شاملة تصحبها نظرية تنظيمية مبصرة
صارمة وخطط تلتزم دليل عمل واحدا موحدا ؟
أم أن الأمراض الذاتية والشللية
التنظيمية كذلك مازالت أطلالها وأصدائها وذكراها وتداعياتها تقف عائقا حائلا
ومعوقا لإتمام مثل هكذا مهمة أصبحت حتمية، ملحة وضرورية في ظل غيابات وغياهب الفكر
والمفكرين في واقع من الضحالة والتفاهة والعبث والتشتت، وغياب الوعي وانعدام
الرؤية وسيطرة الخرافات والشائعات والركاكة والسطحية على العقول وطرائق ومناهج
التحليل والتفكير ؟
وهل يمكن أن نكتفي أو نطمئن من اعتبار
أن من يكتب أو يخطب به هذا أو ذاك، أو يردده هنا أو هناك، أو أن يجيب عن أسئلة ما
في حديث إذاعي أو فضائي، أو أن أي مما يقوله أحد ما هنا أو هناك، فإنما ذلك هو
الناصرية ؟! فكيف يمكننا بعد ذلك أن نرى أو نقيم أو أن نقبل، أن ناصري ما يقف في
صف سلطوي مع ذلك النظام أو غيره ؟! أو ناصري يختبئ أو يندفع في خندق ما طائفي أو
غيره ؟! أو ناصري ينخرط في بكائية حسينية في موقف ما أو مرحلة بعد أن كان من قبل
ذلك منخرطا في بكائية أو استمجادية أخرى في مرحلة سابقة أخرى ؟! أو ناصري يتوافق
أو يوافق علي استدعاء مستعمر محتل ما، أو إرهابي تكفيرى ما، ليخلصه من نظام يعاديه ! أليس صحيحا وثابتا أننا
نعادى كل الأنظمة القطرية لا نستثني أحدا منها ؟!!!
فإن لم تكن بوصلة ورؤية ومنهج وفكر وعمل
وحركة وحديث وخطاب وأخلاق وسلوك وممارسة، ولكل ذلك ناظم ضابط واحد ومعايير محددة موحدة، فإن لم نكن نستطيع الفرز جيدا والحكم
عادلا ناطقا معلنا بين أن تكون ناصريا أولا تكون فعن أي ناصرية يمكن أن نتحدث وأي
ناصرية نعني ونبني ونجاهد ونناضل ونستمر؟!
وكم هو عمر الحركة الناصرية ؟
وكم أنجزت منذ غياب القائد حتى الأن ؟
ما هو مشروعها وخطتها وبرامجها ؟
هل تستحيل المراجعة والتقييم والتغيير؟
أو ما أو من ذا الذى يحول دون ذلك ؟ ولماذا ؟!
الناصرية والناصريون والحركة الناصرية و
(التيار الناصري ) ماهى حقيقته ؟ حجمه ووزنه وقدره وقيمته ومراكز ثقله وقوته ؟ أين
هو هذا التيار؟ كيف نتواصل معه ؟ كيف نخاطبه ؟ أى وعاء أمكنه إستيعابه أو تنظيمه ؟
متى وكيف يمكن إستدعاؤه ؟ وهل يبقى دائما هكذا على حاله ينتظرنا لايتبدل جامدا ثابتا منتظرا دونما تأثير أو تغيير بكل
هذه المستجدات والمتغيرات والتحولات والمعاناة ؟!
هل الناصرية والناصريون و( الحركة أو الحركات
الناصرية) على حالها، و ( التيار الناصري ) قادرون الأن ( أو متى ) على مواجهة هذا
التحدي وهذا الإستدعاء الأخير ؟ وكيف ؟
ما هى عناصر القوة ونقاط الضعف؟ ما هى
الفرص وماهى التحديات؟
هل من إجابات؟
هل من خطط وبرامج ومشروعات؟
هل من مراجعة وتقييم وتقويم؟
هل أن الهدف النهائي على الأقل ما زال
محل إتفاق ؟ الغاية والرسالة والمشروع، هل مازال هدف قابل للتحقق أم أحلناه إلى
دروب الغيب والخيال والتغني والتمني والأمنيات ؟
وهل يمكن الوصول إلى الدولة العربية
القومية الواحدة، بغير التنظيم القومي والأداة القومية الناصرية الواحدة ؟
هل من الصيغ مجازا القائمة الأن من
يمكنه الإهتمام أو السعى أو المحاولة أو الوصول إلى هذه الغاية المرحلية الأولوية
الأن ؟ أو متى ؟
وإلا فلما الناصرية وما غايتها وما غاية
النضال الناصري مجازا ؟
إلا أن تكون فكرة أخرى أو أهداف أخرى
ذاتية كانت أو وطنية جامعة عامة ربما أو أشياء أخرى، فلماذا على غير الحقيقة
إقرانها أو إلصاقها بالناصرية التى يجب أن نجاهد ونجتهد أن نسترجعها فنعرفها
ونتدارسها ونبنيها ونقيم أداتها وكل بناءاتها الكادرية الفكرية والتنظيمية الثورية
ونفعلها على إمتداد كل ساحات الوطن ؟
إن هى إلا بعض من تساؤلات وكثير وأكثر
هى الأسئلة، بديهية في بعضها، وصريحة في بعض آخر، وقد يكون بعضها قاسيا مؤلما
واقعي المعنى والذكرى والتعبير، وهى فى كل الحالات تستدعي المزيد ثم المزيد من
الأسئلة التى تعتمل فى النفوس والصدور التى آلمها العجز وطول الإنتظار، ولسوف تظل
تتزايد وتتكاثر ولا يجليها جميعا ولايوقفها إلا حوار جمعي مخلص منتظم يحاول ما
يمكنه أن يقدم ما يستطيع من إجابات حاسمة قاطعة ممكنة .
وليس من
طريق أو سبيل آخر سوى المواجهة والإستجابة والأن الذي قد تأخر كثيرا، فليس
الإنتظار إلا صورة من صور العجز المتعددة والمستفحلة، وليس النظام العربي الرسمي
كله إلا صورة وهمية كرتونية باهتة زائفة واهمة، وواهم عاجز خائب من يعلق عليها في
يوم ما أو أي موقف ما أملا زائفا خائبا مستحيلا، ولن يعود علينا إلا بالمزيد من
الخيبة والإحباط كما في كل مراحل ومحطات تاريخنا من التبعية والتجزئة، ولا يجوز
أبدا ولا يجب ولا يصح التعامل مطلقا مع أي من أطره وتصوراته وحواراته وتفاصيله
وأدواته وإنما تجب مقاطعته دائما وشاملا، كما أن النظام الإقليمي كله إنما يملأ
الفراغ الذي تركناه طامعا ولم يتوانى يوما من السير فوق بقايا جثثنا لتحقيق أهدافه
وأحلامه وتوسعاته ومصالحه على حسابنا، وإن نحن إلا ورقة هو الذي يقرر متى يسخدمها
ومتى يستنسخها ومتى يلقيها مهملة في سلات أعدائنا وليس ما آتاه السلطان العثماني
الجديد ببعيد بعدما استباح الشام مع أعدائنا، وتلك إطالة في حقائق وثوابت الصراع
الذي يحوطنا من كل جانب لايمكن أن تكون نقطة البدء فيه إلا في العودة للتنبه
لذاتنا ومشروعنا وأدواتنا.
لقد أنشأ
وأسس جمال عبد الناصر وشرع في بدأ بناء ( الطليعة العربية ) سرا، ذلك التنظيم القومي الذي كان يعول عليه لإنجاز
واستكمال الثورة العربية وصولا لدولة الوحدة بعدما استماتت قوى الإستعمار متحالفة
مع الرجعية والإقليمية العربية ونجحت في وأد محاولة الوحدة في مهدها، ورحل عبد
الناصر مبكرا واستطاع رجاله إخفاء أي أثر
عنه وأي معلومات عن كل أجهزة الإستخبارات وعن رجال الدولة من بقايا مرحلة عبد
الناصر وعن كل نظام السادات، وتكفلت روابط الطلبة العرب الوحدويون الناصريون
باستكمال البناء واستمرت الطليعة العربية وكادت أن تستلم السلطة في ساحة اليمن
وكان عل أثر ذلك استشهاد الناصري الطليعي ( عيسى سيف ) رحمة الله شهيد الطليعة
العربية والعمل القومي، واستمرت الطليعة العربية تبني الفروع والساحات في مختلف
أرجاء الوطن، وعقب كامب ديفيد وفي واحد من انعقادات المؤتمر القومي التنظيمية
الدورية كان القرار بالإتجاه لتحول البنية التنظيمية القومية إلى بنية التنظيم
الثوري المقاتل كاملا، وبدأت العناصر والكوادر وفي سفرات متعددة في تلقي التدريبات
القتالية المتنوعة بجانب المهام البنائية الكادرية الفكرية والسياسية والجماهيرية
عبر التنظيمات الأغطية في الفروع والساحات، وكان قد خرج بعض قيادات مايو من سجون
السادات، وبانفعال عاطفي ! أشار البعض بضم بعضهم إلى الطليعة العربية وقد كان !
إلى أن وصل بعضهم إلى القيادة القومية ! وكانت قد قادت المصادفات إلى ضبط بعض
العناصر التنظيمية في واحد من تنظيمات الأغطية، كما تم ضبط كميات كبيرة من
المتفجرات وبعض الأسلحة بعيد قرارإيقاف أحد العمليات ضد بعض عناصر الموساد صحبة
أحد الباصات المتوجهة من تل أبيب إلى القاهرة، وذلك لاحتمال تعرض عدد من المواطنين
المارة للإصابة جراء العملية التى كانت جارية، ( وتلك قضية طويلة أخرى ) وإنما كانت
قد نحت العضوية من مجموعة مايو منحا آخر في التوجه لعمل علني دعائي لا يخلو من
الوجاهة واستأثروا وسخروا إمكانيات التنظيم ومقدراته لذلك المؤتمر القومي السنوي أو
الموسمي ناصري وبعثي وإسلامي وماركسي وأشياء أخرى ! وهى مناسبات للخطابة والقيادة
وتبادل الكلمات والقبلات والتعارف وكأن هذا هو العمل القومي وتلك هي الحركة
العربية الواحدة ! ولو على شاكلة النظام العربي الرسمي وجامعة الدول العربية، ولا
يخلو الأمر من الظروف والإضطرار للإنعقاد تحت مظلة بعض الأنظمة وباستضافتها سخية
كانت أم غبية !
عود على بدء
إطلاقا ليس
المقصود من أي من ذلك عيب أو إهانة أو حتى إنتقاد، وإنما التنبه وبقوة لذلك
التكرار والإجترار بطريقة العقل والتفكير والإنجرار دائما خلف عقل البيئة الجمعي
المجتمعي ! والعبرة بالنتائج والمحصلة والحصاد، وإلا فما سبب هذا التراجع المستمر
والمتزايد والدائم ؟ لماذا كنا في حال أفضل فيما سبق عن حالنا الذي وصلنا إليه
الأن ؟! بينما المفترض أننا تعلمنا وتقدمنا وتطورنا واكتسبنا المزيد من الخبرة
والقدرة والفهم والوعي والفكر والفاعلية ، لماذا تراجع التيار إلى هذا الحد بينما
كان هو في العموم أفضل وأفعل مما هو عليه الأن كثيرا جدا وفي مختلف الأحوال والمجالات
! للحد أنه بات يسترجع مع نفسه الذكريات والأمجاد عن نضالاته ومواقفه ومؤتمراته
وحشوده السابقة ! لماذا ؟! ودونما إنكار لكل مشكلات الواقع الواقعية، ولكل
المبررات والتبريرات، ولكن هل توقفنا يوما نتفحص أسباب كل ذلك الذاتية الكامنة
فينا، كما هى تماما في الشخصية العربية والعقل العربي الموروث وطريقة التفكير
المتوارثة والمتأثرة والمقيدة بعقل البيئة الجمعي المجتمعي على حاله الأن والعاجزة
كما عجزنا عن تقديم الحلول والتقدم خطوة بعد أخرى على الطريق المأمول .
هذا ليس
تأخر، التأخر في أن تتأخر عن شيئ لم تكن قد وصلت إليه، إنما هذا تخلف .
والتخلف هو
في أن تتخلف عن شيئ كنت قد وصلت إليه وكنت في مقدمته أحيانا وكان هذا هو التيار
الصاعد والجارف والجامع، فالتخلف لغة هو من الخلف، فهذا إذن تخلف حيث تخلفت عما
كنت فيه اوعليه ، تماما كما كانت أمتنا حيث صنعت الحضارة قبل قرون فهى ليست أمة
متأخرة كأمم لم تصل للحضارة بعد، وإنما نحن أمة متخلفة، تخلفنا عن الحضارة التي
كنا عليها، وحين نحاول المعاودة فإن الجهل
هو الذي يمنعنا ! لأننا نرفض التنبه لذاتنا وأسباب التخلف الكامنة فينا ونكتفي فقط
بالأسباب الأخرى الخارجة عنا، فلا يمكن أبدا إنكار ويلات الإستعمار ودسائس كل
أطراف المؤامرة، وإنما ماذا عنا ماذا نملك كيف نفكر كيف نواجه كيف نبني كيف ننتصر؟
نحن لا نعرف ولا يمكننا أن نعرف لأننا نفكر بنفس الطريقة المتكررة والمفروضة علينا
والتى فرضناها من بعد ذلك على أنفسنا بعد التمكن والسيطرة من الواقع المفروض علينا
بتعاطينا الدائم المستمرمع نفس العقل المجتمعي الجاهل المتخلف المتكرر فنفكر
بأدواته ومعطياته وتكراراته الدائمة، فلا نتمكن من تحديد الداء وبداهة لا يمكننا
الوصول إلى الدواء . ولعل مشرط الجراح في مثل هكذا حال قد يكون ضروريا ولازما، كما
أن المصارحة والصدمة بحقيقة الورم أو المرض مهما كانت موجعة أو قاسية مؤلمة فهى
السبيل للتنبه لأسباب المرض وطرق العلاج لئلا يستمر استشرائه في كياننا ووجودنا
.ولذلك فإن الدعوة إلى المقاطعة لا ينبغي أن تكون مجرد موضة أو موجة طارئة لظرف أو موقف ما أو لسلعة أو منتج ما، وإنما هى
بالأساس تهدف ليس فقط في الإضرار والضغط والتأثير على الطرف الآخر، وإنما الأهم هو
في التنبه للذات وتفعيلها وانتصارها، بوقف ومنع والقطع نهائيا والقطيعة مع تأثيرات
الطرف الآخر علينا وبالأخص على عقولنا وطريقة تفكيرنا . ما لم نقاطع جل ما هو قائم
باعتباره نتاج دورة حياتية عقيمة كاملة من التخلف المستمر والمتجذر، فسوف يستمر
فينا ينتج نفس المنتج باستمرار دون تغيير يذكر بما في ذلك نحن، إذ أصبحنا بما نحن
عليه الأن من نتائجه المستمرة ومن مخلفاته الدائمة، فهو يفرض علينا نمطه في الحياة
والسوك والتفاصيل وطريقته في التفكير، فنظل ندور في نفس الإطار نفكر بنفس الطريقة
نستخرج نفس الحلول نسلك نفس السبيل نحصد ذات النتائج متراجعة دائما ومتكررة، وهكذا
نستمر بعجلة التخلف في الدوران دون انقطاع .
والمقاطعة
لا يمكن أن تكون هروب أو انعزال أو سلبية أو تقوقع من بعد فرط المعرفة والإستيعاب
والإنغماس والتعايش مع الأفكار والغايات والوسائل والآليات وممارسات الخيبات
الدائمة، والمعرفة مسبقا بكل مايمكن أن يفضي إليه ذلك وكل النتائج، وإنما هو إن
أمكننا قرار قوي إيجابي شجاع بالقدرة على التخلي والإستغناء وخلق البدائل وابتكار
الوسائل وإبداع الحلول .
فلو أن
الريح عاتية وهى كذلك، والأمواج جدا عالية وهي هكذا، وتقتلع الأعاصير الهوجاء كل أمل
ممكن في البقاء، وأنت تريد أن تقيم بناءك الصغير وتحميه ولا تملك ترف الإنتظار لأن
شيئا من ذلك لم يتوقف، ألم تجتهد وتبتكر وتبدع كي تحوط هذا البناء وتحميه وتحصنه
بكل ما يمكنك لتمنع عنه كل تلك الرياح والأمواج والأعاصير، فالأمر كذلك تماما فهى
الحاجة إلى التحصن بالمقاطعة وإعدام التأثير لحماية البناء من كل تلك العواصف التي
اقتلعت وتقتلع وتبتلع كل محاولات كانت وكل محاولات سوف تكون . وكذلك التحصين من
أمراض منتشرة وعدوى متفشية، فهي عملية إرادية مركبة متوالية تخلق بيئة أخرى إرادية
مناسبة للعقل وللتفكير وانتاج وابتكاروابداع الوسائل والحلول بغير تكرار أو مجاراة
أو تقليد .
إن أمة تؤمن
بالله وملائكته وكتبه ورسله وبقدره وقدرته وبعلمه وعدله ورحمته، وتثق بنفسها
وبتاريخها وتؤمن برسالتها وباستخلاف الإنسان في الأرض بالعدل والعلم والإعمار، فهى
رسالة خالدة فيها وبها وكانت قد أقامت وقادت عليها حضارتها الإنسانية الشاملة،
وياطالما حاولت وتحاول إستعادتها والبناء مجددا عليها، لا يمكن أن تقبل أن يستمر
هكذا حالها وهوانها على نفسها وضعفها وزلتها وانكسارها بين الأمم، ولا يمكن أن
نسمح لأنفسنا أن نورث لأبنائنا وأحفادنا والأجيال هذا الحال من الذل والهوان
والهزائم والتفتت والتشظي والإنكسار .
لا شيئ يمنع
لمن أراد أن يبقى على حاله وارتباطاته وكما يشاء ومع من يشاء، ولا من الإستمرار في
الإنفعال واللهاث في متابعة المواقف والركض وراء الأخبار والأحداث، والإكتفاء
بالتعليق عليها والإنفعال بها في البوستات والكومنتات وإحصاء اللايكات والشيرات،
مع إدراك أن ذلك كله لا يمكنه أن يمنع تلاحق الهزائم والنكبات، وأنه لن يمكننا من استطاعة
مواجهتها، ولم نتمكن من أن نقدم شيئا لأمتنا إلا أن نشاركها العجز
والإنتظارومتابعة ومعايشة التقسيم والضياع وتجرع الإحباط والآلام والأوجاع .
فلتبقى كل الولاءات والإنتماءات على حالها وليبقى كل في موقعه الذي يريد ويختار،
لم يطلب أحد قطع أواصر الصداقات والعلاقات، ولم يطلب أحد إنكار التاريخ المشترك
وما ينتج عنه وما يترتب عليه من اعتبارات
أو ارتباطات، ولا ينازع أحد أحدا موقعا أو جماعة فقد أصبح الجميع على حال واحد
سواء بسواء، فلم تعد جماعة أو مجموعة هي أكبر من أخرى أو أفعل من أخرى أو أكثر
تأثيرا ووجودا ونتائجا وبناءا، كله سواء، ولم تعد من فروق إلا في بقايا علاقات
وبعض من متقلبات الذكريات وتحميل المسؤوليات، ولن يجدي أحدا أى من ذلك شيئا، وإنما
من الممكن دائما أن تجمعنا المهام الجامعة المشتركة بحسب القناعة وحسن القراءة
وصدق الرؤيا
ودائما ما
يمكننا الإختيار واتخاذ القرار بأن نفكر معا وندير الحوار المعمق شاملا علميا
مرتبا وعبرمرحلة فرز وتحضير جامعة واسعة بشمول كل الأفكار والتفاصيل ، حول كيف يمكن
أن نتوجه معا من أن نخوض معارك البناء مجددا :
بناء الأداة
التنظيمية الناصرية الثورية القومية الواحدة في مختلف الساحات العربية
بناء فكري جامع
لصياغة المشروع الحضاري العربي الناصري كاملا شاملا .
بناء كادري
شامل للشباب يهدف إلى خلق نخبة واعية
واعدة مبدعة جديدة .
هذا كلام لا خلاف عليه وانما المشكله تكمن فى الممارسه العمليه والتى تحكمها فى الغالب وعند بعض الرموز التاربخيه التى غلبت عليهم النزعه الشخصيه وهوما يناقض المشروع الناصرى الذىدعامته الاساسيع الوحدع
ردحذفونرجوا من الله تخقيق ما ورد فى بيان اليسد الامين العام وفقه الله..
اللهم إنا نسألك التوفيق
ردحذف