متاح الآن

انتهاك حقوق المدنيين في غزة من منظور القانون الدولي





 كتبت راندة قدادة*

 *المحامية وعضو لجنة الحريات العامة

 وحقوق الإنسان في نقابة المحامين الفلسطينيين - غزه 

عضو المؤتمر الناصري العام


يشهد قطاع غزة انتهاكات واسعة النطاق لحقوق المدنيين من مختلف الأطراف المشاركة في النزاع، ما يعكس تحديات كبيرة في احترام وحماية القوانين الدولية الإنسانية. هذه الانتهاكات تشمل الهجمات العشوائية ضد المدنيين، القصف العشوائي للمدن، تهجير السكان، واستهداف البنية التحتية المدنية، ما يؤدي إلى وفاة العديد من الأبرياء. وفقًا للقانون الدولي الإنساني، والذي يعد اتفاقيات جنيف الأربع واتفاقيات لاهاي من أبرز أسسه، يُعد هذا النوع من الأعمال بمثابة انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم حرب، قد تصل في بعض الحالات إلى الإبادة الجماعية.





أولاً: القوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين


1. اتفاقيات جنيف لعام 1949:

   - الاتفاقية الرابعة (اتفاقية جنيف لحماية المدنيين في زمن الحرب) هي الأساس في حماية حقوق المدنيين في النزاعات المسلحة. تنص الاتفاقية على أن المدنيين يجب أن يتمتعوا بالحماية الكاملة خلال النزاع، ويجب على أطراف النزاع اتخاذ كل التدابير الممكنة لحمايتهم من الأذى.

   - المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربعة تنص على عدم استهداف المدنيين أو تعريضهم للخطر المباشر خلال الأعمال الحربية.

   - يحظر استهداف المنشآت المدنية و الهجمات العشوائية التي تؤدي إلى أضرار غير مبررة للمدنيين.


2. البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977:

 البروتوكول الأول يعزز حماية المدنيين ويشدد على ضرورة احترام التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية في النزاعات المسلحة.

   - وفقًا للبروتوكول، فإنه يجب تجنب الهجمات العشوائية ضد الأهداف المدنية، ويجب على جميع الأطراف السعي لضمان حماية المدنيين من أعمال الانتقام أو التدمير المفرط.


3. الجنائية الدولية والإبادة الجماعية:

   - وفقًا للمادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يُعتبر الاستهداف المتعمد للمدنيين ضمن جرائم الحرب، ويُعد الإبادة الجماعية إحدى أخطر الجرائم التي يمكن أن يرتكبها الأفراد في إطار النزاعات المسلحة.

   - الإبادة الجماعية تشمل أي عمل متعمد يهدف إلى تدمير جماعة بشرية، سواء عبر القتل أو التسبب في الأذى الجسدي أو العقلي الجسيم، أو فرض ظروف حياة تؤدي إلى تدمير جماعي.






ثانيًا: الانتهاكات المتعلقة بحقوق المدنيين في غزة


في النزاعات المسلحة الأخيرة في غزة، تعرض المدنيون لانتهاكات جسيمة تشمل القتل العشوائي، تدمير المنازل، استهداف الأطفال، والهجمات على المنشآت الصحية والمدارس. هذه الأعمال تتناقض مع النصوص القانونية الدولية التي تحظر استهداف المدنيين والمرافق المدنية. ومن أبرز الانتهاكات:


1. القصف العشوائي:

 يشير العديد من التقارير الدولية إلى أن الهجمات الجوية والقصف العشوائي من قبل القوات العسكرية تؤدي إلى وفاة العديد من المدنيين، بما في ذلك الأطفال وكبار السن، وهو ما يمثل انتهاكًا صريحًا للمادة 51 من البروتوكول الإضافي الأول.


2. الهجمات على المستشفيات والمرافق الصحية:

   - تعرضت المستشفيات والمرافق الصحية في غزة إلى الهجمات خلال العمليات العسكرية، مما أسفر عن إعاقة القدرة على تقديم الرعاية الصحية للمصابين.

   - وفقًا للمادة 18 من البروتوكول الإضافي الأول، لا يجوز استهداف المستشفيات أو أي منشآت طبية.


3. التهجير القسري:

   - تم تهجير العديد من المدنيين الفلسطينيين بسبب الهجمات العسكرية، ما يثير القلق بشأن انتهاك حق العودة و*الحق في السكن*، وهما حقوق محمية بموجب القوانين الدولية.


4. استهداف الأطفال:

   - وفقًا للإحصائيات الواردة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، فقد عانى الأطفال في غزة من القتل، الإصابة، و*التهجير القسري* جراء النزاع، ما يعد انتهاكًا جسيمًا لحقوق الطفل وفقًا لاتفاقية حقوق الطفل.


ثالثًا: كيفية تطبيق القوانين الدولية وفرض المسؤولية

 تطبيق القانون الدولي على الانتهاكات في غزة يواجه تحديات كبيرة، حيث يُعد نقل المسؤولية إلى المحكمة الجنائية الدولية من الأمور الصعبة نظرًا للمسائل السياسية المعقدة. لكن، وفقًا للمبادئ الواردة في اتفاقية جنيف و*نظام روما*، يمكن تحميل المسؤولية الجنائية للأفراد الذين يرتكبون هذه الانتهاكات، خصوصًا عندما تكون النية متعمدة لارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية.


1. المسؤولية الفردية:

   - بموجب القانون الدولي، يمكن محاكمة الأفراد الذين يرتكبون جرائم الحرب أو الإبادة الجماعية من خلال المحكمة الجنائية الدولية.

   - مثلًا، الجنرال الإسرائيلي (في حال كانت هناك أدلة موثوقة) يمكن أن يخضع للملاحقة القضائية إذا ثبت تورطه في توجيه الهجمات ضد المدنيين عمداً.


2. مسؤولية الدول:

   - الدول مسؤولة عن حماية المدنيين في النزاعات المسلحة وفقًا للقانون الدولي، ولا يجوز أن تكون هناك إفلات من العقاب عندما يحدث انتهاك للحقوق الأساسية للمدنيين.

   - مجلس الأمن الدولي يملك صلاحيات فرض عقوبات على الدول المتورطة في انتهاك القوانين الإنسانية.


رابعًا: دور المجتمع الدولي في حماية حقوق المدنيين


المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، و*المنظمات الحقوقية*، يتعين عليهم لعب دور محوري في حماية المدنيين في غزة من خلال:

- مراقبة الانتهاكات وتوثيقها.

- الضغط الدبلوماسي على الأطراف المعنية للامتثال للقانون الدولي.

 توفير المساعدة الإنسانية للمجتمعات المتضررة من النزاع.


خاتمة


إن انتهاك حقوق المدنيين في غزة من خلال الهجمات العشوائية والتمييز والحرمان من الحق في الحياة يشكل خرقًا جسيمًا للقانون الدولي، بما في ذلك اتفاقيات جنيف والبروتوكولات المتعلقة بحماية المدنيين في زمن الحرب. وبالتالي، من الضروري تعزيز المسؤولية القانونية، وضمان الملاحقة القضائية للأفراد والدول المتورطة في هذه الانتهاكات، لضمان حماية حقوق الإنسان و العدالة.

ليست هناك تعليقات

نرحب دائما بتعليقاتكم